لكبيرة التونسي (أبوظبي)
إذا كان الخنجر قديماً يستعمل للدفاع عن النفس، فإنه اليوم تحول إلى نوع من مظاهر الأناقة والوجاهة، حيث لا يستغني عنه بعضهم في المناسبات السعيدة، ويحرص بعضهم الآخر على اقتنائه أو إهدائه للأصدقاء والمقربين، لما له من قيمة اجتماعية ومعنوية.
ارتبط الخنجر في الموروث الشعبي الإماراتي بالفرح والاحتفال، وانتقل من مكانته المرتبطة في التراث العربي بالمعارك والغزوات، إلى حفلات الزفاف، والمواليد الجدد، ما جعل صناعة السيوف والخناجر واحدة من تلك المهن التي ظلت حاضرة بقوة في مشهد الحرف والصناعات التراثية الإماراتية بجميع المحافل والمهرجانات المحلية والعالمية، فالمتابع للمشهد يجد أن السيف والخنجر مفردة أصيلة من مفردات التراث، حيث لا يغيب عن الاحتفالات والمناسبات الوطنية وغيرها، كما أن الفرق التراثية الفنية تؤدي بعض الرقصات الشعبية التي تستند في أدائها إلى السيف.
معرض مفتوح
ونظراً لدوره الكبير في الحفاظ على تراث الإمارات وموروث بقية الشعوب المشاركة، فإن مهرجان الشيخ زايد، هذا الحدث الثقافي والترفيهي العالمي، يسلط الضوء على الإرث الأصيل من عادات وتقاليد وحرف يدوية، والتي تجد اهتماماً بالغاً من جانب زواره، حيث يعتبر المهرجان معرضاً مفتوحاً وفرصة مميزة لعرض العديد من الحرف اليدوية التراثية بمنطقة الحرفيين، والتعريف بها، مع تقديم شرح وافٍ عنها، ضمن عروض حية أمام الجمهور.
تحفة فنية
داخل أروقة «القرية التراثية» التي تتوسط المهرجان، تُعرض مجموعة واسعة للسيوف والخناجر المصنوعة من الفضة وبعض المعادن الأخرى، ما يسهم في بقاء هذه الحرفة وحمايتها من الاندثار، حيث قال الحرفي بدر البلوشي، إن السيوف والخناجر تحولت عبر الزمن من استخدامها في الدفاع عن النفس قديماً، إلى قطع فنية يبحث عنها عشاق التحف، لتزين مساحة من جدران بيوتهم أو مجالسهم، ويتباهون بها في مناسباتهم السعيدة، أو يمنحونها هديةً رمزيةً تحمل الكثير من المعاني القيمة، ما جعل صانعو السيوف والخناجر يتفننون في إبداعها، ويحافظون على هذا الإرث العريق، فأحياناً يطعمونها بقطع من الفضة أو الذهب أو الزخارف والرسوم الدقيقة، ليجعلوا منها تحفة فنية جميلة، ضمن عملية نقش دقيقة على صفائح من الفضة قد تستغرق شهوراً عدة.
موروث أصيل
بدر البلوشي الذي ورث حرفة صناعة الخناجر والعصي المزينة بالفضة عن والده، يؤكد أنه لا يزال يمارس هذه الحرفة بالطريقة نفسها التي كان يقوم بها الآباء والأجداد، فهو يصنعها من الفضة الخالصة، ويطعمها بالنقوش الجميلة، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب الكثير من المهارة والصبر، كما أنه يحرص على حماية هذا الموروث واستدامته ونقله للأجيال عبر المشاركة في المهرجانات، ومن خلال ورش فنية حية، موضحاً أن العمل على خنجر واحد مثلاً قد يستغرق أكثر من شهرين.
وقال «أحرص على ممارسة هذه المهنة بشغف وحب كبيرين، وأنقل ذلك لزوار المهرجان، خاصة الأطفال لكونهم جيل المستقبل، وبالإضافة إلى العمل على الخناجر أقوم بتزيين العصي التي تستخدمها الفرق الشعبية في عروضها الفنية والتراثية، وقد بدأت العمل في هذا الميدان منذ كان عمري 12 عاماً، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت على قناعة بأن الخناجر والسيوف ترمز إلى الشهامة والفخامة والشجاعة، إلى جانب استعمالها زينةً في وقتنا الحالي».
أنواع الحناجر
أشار بدر البلوشي إلى أنه على اختلاف أنواع الخناجر، فإنها تتكون من أجزاء معروفة، هي القرن أو المقبض، النصلة وهي شفرة الخنجر، الصدر وهو أعلى الغمد، القطاعة وهي الغمد، وهو الجزء الأكثر جاذبية في الخنجر، ويكون مطعماً بخيوط من الفضة الخالصة، وتكمن قيمة الخنجر في القرن والنصلة والقطاعة والصدر، ومن ثم الطوق أسفل المقبض.
هوية قبيلة
السيف أو الخنجر كان في السابق يحمل هوية القبيلة وبصمتها، حيث كان كل رجل يحمل معه خنجراً أثناء تجوله، وكان هذا الخنجر يعبر عن هوية حامله، ويشكل بطاقة هوية له، حيث يتم التعرف على قبيلته من خلالها، كما أن صناعة السيف أو الخنجر، لم تكن إماراتية فحسب، بل كانت تشمل منطقة الخليج، والعديد من الدول الأخرى.