د. شريف عرفة
إذا فكرت في شيء كان عليك القيام به، لكنك لم تفعل بعد، فلربما جال بخاطرك العديد من الأشياء وليس شيئاً واحداً! إنها تلك الظاهرة المعروفة الملازمة لكل واحد منا، والتي تسميها كتب التنمية الذاتية: التسويف أو المماطلة.
يعود التسويف إلى ميل عقولنا للراحة وتوفير الطاقة.. ويكون إغراء تأجيل الشيء قوياً إذا كان غير عاجل ولن يحدث ضرر إن تركته اليوم.. رغم أن هذه الأمور «المهمة غير العاجلة» كثيراً ما تكون الأكثر أهمية وتأثيراً في حياتنا. فما العمل؟
كيف نقاوم غريزة التأجيل هذه؟
كتب وأبحاث ومحاضرات ودورات تدريبية كثيرة تناولت هذا الموضوع.. إلا أن كتاباً جديداً تناول الظاهرة من زاوية غير مألوفة.
التعاطف الذاتي
تعتبر الباحثة الكندية فوشيا سيرويس «أستاذة علم النفس الاجتماعي والصحي في جامعة دورهام» واحدة من المهتمين الذين أجروا عدداً من التجارب والدراسات المتخصصة حول موضوع التسويف.. وصدر لها مؤخراً كتاب يحمل عنوان « التسويف: ما هو، لماذا هو مشكلة، وما يمكنك فعله حيال ذلك» ذكرت فيه مجموعة من التقنيات المفيدة، ومعها حل غير معتاد لظاهرة التسويف.
تقول سيرويس: إن مقاومة التسويف تتطلب أمراً يخالف التصور البديهي لهذه المسألة.. وهو: التعاطف الذاتي! فحسب دراسات عديدة، لوم الذات وتحقيرها بسبب التسويف، يضعفان ثقة الإنسان في نفسه ويشكلان عبئاً نفسياً يجعل مقاومة التسويف أكثر صعوبة!
تشرح الباحثة هذه الفكرة المحوية للكتاب في مقال لها بموقع جريتر جود، وتقول:
«في دراسة أجريتها قبل بضع سنوات. سألت أربع مجموعات من الناس لإكمال استطلاع حول مدى تعرضهم للمماطلة، وما إذا كانوا يتمتعون بقدر كبير من التعاطف مع الذات، وقمت بقياس مستويات التوتر لديهم. فوجدت أنه كلما كان الناس أقل تعاطفاً مع أنفسهم، كانوا أكثر عرضة للتسويف والمماطلة. الصعوبات في إدارة المشاعر السلبية، ومن ثم تضخيم هذه المشاعر بالحوار الذاتي السلبي والتفكير في الأخطاء والهفوات هي محركات المماطلة. كلما كان المرء أقل تعاطفاً مع نفسه، زاد الضغط النفسي والتأجيل.
لكن يمكننا مشاهدة هذا البحث من زاوية مختلفة. الأشخاص الأكثر تعاطفاً مع أنفسهم هم أقل عرضة للتسويف. أي أن يكون التعاطف مع الذات يمكنه أن يشكل عاملاً وقائياً ضد تطوير الميل للمماطلة.
لذلك، إذا قمت بالمماطلة واستجبت بالتعاطف مع الذات، فمن غير المرجح أن تستمر في المماطلة أو الانخراط في طرق التفكير التي تجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك، وبالتالي تحافظ على عادة التسويف. يمكن أن يساعد التعاطف مع الذات في نزع فتيل المشاعر السلبية والأحكام التي تجعلنا نتجنب ونتخلى عن إنجاز المهمة الصعبة!». انتهى كلام الباحثة.
إلا أن هذا الكلام لا يعني التخلص من كل المشاعر السلبية الناتجة عن التقصير والتسويف.. بل إن المقصود عدم توجيهها تجاه الذات «بالشعور بالعار وانعدام القيمة»، بل توجيهها كدافع لإنجاز المهمة، مع الحفاظ على نظرة إيجابية تجاه النفس. أي أشعر بالسوء لعدم إنجاز المهمة، لا لأنك شخص سيئ. تشرح الباحثة هذه الفكرة قائلة:
«الشعور بالسوء بسبب المماطلة هو استجابة صحية. لكن ما تفعله بتلك المشاعر هو ما يصنع الفرق بين تحسين نفسك، أو الوقوع في دائرة مفرغة من المشاعر المؤلمة كالخجل والذنب دون طائل... توقف عن معاقبة نفسك، وركز بدلاً من ذلك على إصلاح الأمور. اسأل نفسك عما يمكنك فعله حتى لا ترتكب خطأ المماطلة مرة أخرى. ثم اتخذ إجراءات تغيير سلوكك».
وتضيف: «في إحدى الدراسات اختبر باحثون في جامعة كارلتون في كندا ما إذا كان التسامح الذاتي يمكن أن يقلل من التسويف بين طلاب الجامعات الذين كانوا يدرسون للامتحانات... فوجدوا أن الطلاب الذين يغفرون لأنفسهم التسويف أثناء التحضير للامتحان الأول، كانوا أقل عرضة للتسويف في التحضير للامتحان الثاني، بسبب حالتهم المزاجية الجيدة... مسامحة الذات، تقلل المزاج السلبي الذي يسبب المماطلة».