يُعد هذا سؤال المليون دولار.. ماذا يضمن استمرار علاقة وانتهاء أخرى؟
لا يوجد اختبار نفسي واحد يعطيك نتيجة مضمونة لاستمرار علاقة وانتهاء أخرى، وإلا أصبح إجراؤه شرطاً قانونياً لإتمام عقد الزواج.. فالأمر معقد، وكل من طرفي العلاقة دائم التطور والتغير والنضج والتفاعل مع متغيرات العلاقة والعالم الخارجي.. وكل هذا قد يؤثر في «دياميكية العلاقة» نفسها، طريقة التعامل وتوزيع الأدوار والتوقعات والنتائج.. لذا كثيرة هي الكتب والأبحاث التي حاولت استطلاع سر العلاقات الناجحة، ومعها كثرت الإجابات والتوصيات..
هُناك -على سبيل المثال- من يرى أن الأصل في المسألة هو نمط التعلق النفسي بالطرف الآخر، مثل نظرية التعلق لجون بولبي التي ذهبت إلى ضرورة التعلق العاطفي بشكل صحي يسمح بالثقة والعطاء المتبادل والاستقرار.. وهناك من قال: إن فهم الاختلافات بين الجنسين هو مفتاح تجاوز الخلافات، مثل جون جراي صاحب الكتاب الأكثر شعبية «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة».. وهناك من يوصي بأهمية الالتفات إلى زيادة التجارب الإيجابية المشتركة ومشاعر والمودة والاستمتاع التي يمكنها تجديد دماء العلاقة -بدلاً من التركيز على الخلافات وحلها- حسب إحدى نظريات جون جوتمان..
وسط الأبحاث صادفتني دراسة جميلة لم تلق حظاً من الشهرة، لباحثين من جامعة نورث كارولاينا، توصلت لإجابة مغايرة.. ومن الطريف أنها طرحت السؤال بشكل عكسي: ما الذي يدفع البعض للطلاق؟
في هذه الدراسة التي تحمل عنوان «أبقى أم أرحل؟ نموذج الاعتمادية للانفصال» التي نشرت في دورية الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، وجدوا أن الانفصال يتبع إخفاق الزوجين في إشباع 5 احتياجات أساسية.. وإذا استطاع الإنسان إشباعها في علاقته، ابتعد شبح الانفصال وزاد الرضا عن العلاقة.. وهي -بتصرف- كالتالي:
الحميمية: مشاركة المشاعر والأسرار الشخصية «الماضي أو الحاضر أو المستقبل».
المشاركة الفكرية: تبادل الأفكار والمعرفة ومناقشة القيم والمواقف وما إلى ذلك.
العاطفة: الشعور الطيب حين تكون بجواره وأن يريد كلا الطرفين سعادة الآخر.
الحميمية الجسدية: بدءاً من اللمسة الحانية ومسك اليد..
الأنشطة المشتركة: القيام بالأشياء معاً، قضاء وقت الفراغ معاً، الاستمتاع بصحبة بعضنا..
ويمكننا رؤية كيف أن العجز عن توفير هذه الاحتياجات يؤدي بالعلاقة إلى التصحر.. هذا شخص لا تريد قضاء الوقت معه، ويصبح مصدر ألم وهم دائمين.. مصدر حرمان من الاحتياجات بدلاً من إشباعها.. لا توجد لغة مشتركة للتعامل مع الخلافات القائمة وتتراكم المشاعر السلبية ولا تعوضها أي مشاعر إيجابية، لا حنان ولا أنشطة مشتركة ولا حوار يثري وجدان الجانبين.. هذه الحالة الوجدانية والفكرية لا تحافظ على علاقة طويلة الأمد كما ترى!
والعمل؟
بالطبع تختلف أهمية كل من هذه الاحتياجات من شخص لآخر، لذا ينبغي أن يتفهم كل طرف أولويات شريك حياته -لأنها لا تتطابق في الأغلب- كي يعمل كل منهما على إشباع احتياجات الآخر.. فكثيراً ما تكون العلاقة عالقة في دوامة من إلقاء اللوم المتبادل، لا يبادر أي منهما بإشباع الاحتياجات النفسية للآخر بحجة أن الآخر لا يشبعها له.. تلك الحلقة التي لن تنكسر إلا لو بادر أحدهما بلفتة طيبة، فلربما أحدث صدعاً في حاجز الجليد الفاصل بينهما!