أحمد عاطف (القاهرة)
أوتار تحمل عبق الموسيقى العربية، وألوان تميزها الأعين من الوهلة الأولى، كونها تميّز العود، سلطان الآلات، وصاحب المرتبة الأولى في التخت الموسيقي العربي، لذلك تفنن العراقي فرحان إبراهيم في صناعته يدوياً ونقل مهنته التراثية إلى الأجيال الجديدة.
بدأت رحلة إبراهيم قبل أكثر من 30 عاماً، عندما شاهد أشهر صانع للعود حينها محمد فاضل يبدع في تحويل الأخشاب والأوتار إلى آلة بديعة الشكل تطرب الآذان، وخلال فترة قصيرة كان قد تعرّف على أصول المهنة وأسرارها لتنطلق رحلته كصانع عود بعد وفاة معلّمه، ولم يمنعه عمله على مدى سنوات كمعلم للموسيقى من الاستمرار في صناعة العود العربي في ورشته الصغيرة.
يفصح إبراهيم عن بعض أسرار صناعته الدقيقة، فهو يستخدم خشب السيدار لصناعة وجه العود كونه مرناً وينقل النغمات الصوتية الصادرة عن الأوتار، بينما يختار الأخشاب الصلبة من أشجار الجوز أو الليمون لصناعة الظهر المقوّس أو ما يسمى بـ «الطاسة» حتى لا يتعرض للكسر.
أما السر الذي لم يفصح عنه فهو طريقة توزيع الأوتار على الأخشاب لأن هذا ما يميّز صانع عود عن آخر، ويوضح إبراهيم لـ «الاتحاد» أن الخطأ في اختيار المسافة بين الأوتار ولو كان بفارق ملليمتر واحد، فإنه كفيل بصناعة نسخة سيئة من العود.
وحتى يحتفظ العود بمكانته البارزة وسط الآلات الموسيقية العربية، فإن إبراهيم يستخدم خط الثلث العربي في تزيين وجه العود، ولا تكون تلك النقوش مجرد كلمات وأحرف ديكورية لا معنى لها، بل بمثابة ختم يحمل اسم صانع العود وتاريخ ومكان الصناعة.
سنوات قضاها الصانع العراقي في تجهيز الآلات للفنانين في بلاده وتصدير عدد منها إلى دول عربية، لكنه يخشى أن مهنته تواجه خطر الاندثار نتيجة توجه أبناء العائلة إلى مهن أخرى وعدم وجود من يرث أسرار وفنون صناعة العود العربي بالعراق.
ويعود تاريخ صناعة العود العربي إلى القرن السادس عندما ظهرت عربياً للمرة الأولى وطوّرها الصناع إلى أن وصلت للشكل الحالي وتصدرت قائمة الآلات المرغوبة في القصور العربية وهو ما وثقته كتب التراث.