د. شريف عرفة
أصبح إيقاع الحياة هادراً بدرجة تجعلنا لاهثين خلف التزاماتنا وواجباتنا وسعياً وراء أحلامنا، دون فرصة للراحة الذهنية والتقاط الأنفاس.. ما يراكم الضغوط النفسية التي لها عواقب سلبية على الصحة العقلية والجسدية.
لهذا يلجأ الناس لتدريبات الاسترخاء والتنفس واليوجا، والرياضة والترفيه، وغيرها من الممارسات الشائعة التي ترشحها الأدبيات للتغلب على التوتر والترويح عن النفس.
إلا أن بعض الناس، يتمتعون بقدر من السكينة والاطمئنان أكثر من غيرهم، وهي الظاهرة التي لفتت نظر العلماء مؤخراً.
حسب دراسة نشرت مؤخراً في دورية دراسات السعادة، يرى علماء قسم العلوم النفسية والدماغية بجامعة «ماساتشوستس أمهيرست»، أن أصحاب «الأنا الهادئة» أكثر سعادة في الحياة.. فما معنى هذا؟
الأنا الهادئة
في هذه الدراسة يقسم العلماء الناس لثلاثة أنواع:
- أصحاب «الأنا الصاخبة Loud ego» والتي تعني - كما هو واضح من اسمها - تمركز الإنسان حول نفسه بشكل يجعله أكثر أنانية.. قد يدخل في صراعات ومشاكل.. وكأنه يحارب الحياة من أجل مصالحه، ما يزيد الضغوط الواقعة عليه..
- بينما «الأنا الصامتة silent ego»، تعني إنكار الذات تماماً لدرجة انعدام الشخصية وإهمال النفس ورغباتها.. وهو ما يؤدي أيضاً لتراكم الضغوط وعدم تلبية الاحتياجات..
وبين هذا وذاك، يكمن الحل في المنتصف!
يطلق الباحثون مصطلح «الأنا الهادئة Quiet Ego» على الشخص الذي لا يعتبر أنه محور الكون.. المتصالح مع الحياة متقبلاً ما فيها، وفي الوقت نفسه لا يتمركز حول ذاته أكثر من اللازم.. ليس شخصاً أنانياً يهتم بمصالحه فقط، بل ينظر لوجهة النظر الأخرى عند وقوع مشكلة، بدلاً من الدفاع عن النفس طوال الوقت.. هويته ليست منغلقة، بل يشعر بالانتماء للبشر جميعاً ولا يحب التمييز بينهم على أساس العرق مثلاً.. لا يخجل من تطوير نفسه وقدراته باستمرار مدركاً أنه ليس ثابتاً.. لا ينفصل عن الحاضر، بل يعيشه بكل تركيزه متقبلاً كل ما فيه.
باختصار.. هي صفة تتعلق بالشخصية والتفكير في معنى أن يكون المرء إنساناً.. حيث يوافق على عبارات مثل «أشعر بتطور آرائي وأفكاري بمرور السنوات - أتعامل مع الناس المختلفين عني بارتياح - أتبنى وجهة الآخر لفهمها قبل اتخاذ موقف... إلخ».
فوائد نفسية
تقول هذه الدراسة التي تحمل عنوان «تدخل الأنا الهادئة يعمل على زيادة السعادة…» إن الذين يتمتعون بهذه القدرة، يكونون أكثر قدرة على التكيف بعد التعرض لمواقف سلبية للغاية، كما أنها مفيدة للأشخاص الذين تعرضوا لفقدان وظائفهم، وكذلك تفيد الأمهات اللاتي تحت ضغط رعاية طفل يعاني مرضاً مزمناً.. باختصار: هي صفة مفيدة لمواجهة شدائد الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، يضيف الباحث جوانيو ليو وزملاؤه أن التمتع بأنا هادئة يجعل الإنسان أكثر سعادة في حياته بوجه عام.
كيف ننمي هذه الصفة؟
يقترح الباحثون ممارسة مهارة ذهنية تسمى «الوعي المنفصل» التي تشرحها الدراسة كالتالي:
- «القدرة على تقييد أو تقليل الحكم على الذات والآخرين، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن حتى بعد مرور اللحظة الحالية. بهذه الطريقة، تستطيع تأمل أفكارك ومشاعرك السابقة، ونقاط قوتك وضعفك.
الوعي المنفصل، هو قدرتك على رؤية نفسك، كما لو كنت تراقبها من خارج أفكارك واحتياجاتك. إنها أيضاً القدرة على التفكير في كيفية سير الأمور في الماضي بموضوعية، ما يتيح لك إمكانية التعلم من أفعالك السابقة أو إدراك ما غاب عنك وقتها».
هذه الصفة تزيد السعادة، فحين لا يعتبر الإنسان أنه محور الكون، لن يضايقه ألا تسير الحياة على هواه.. كما أن قدرته على رؤية الأمور من أكثر من منظور، يوسع أفقه، ويجعله إدراكه لقصوره و-بالتالي- أكثر سعياً لتطوير نفسه. وهو ما يحسن من أدائه في الحياة عموماً.
ويمكن تفسير هذه العلاقة بأنهم وجدوا علاقة بين الأنا الهادئة والتمتع بقدر من الذكاء العاطفي.. والقدرة على إدارة المشاعر والأحاسيس وتحسين قدرة الإنسان على إدارة العلاقات التي تشكل المصدر الأول للدعم النفسي في الحياة.. وهو ما قد يكون أحد أسباب ارتباط الأنا الهادئة بالسعادة!