تامر عبد الحميد (أبوظبي)
انسجاماً مع الدعم اللامحدود من الجهات المتخصصة بتطور مجالي الثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية، وتماشياً مع «رؤية 2030»، اتخذت المملكة في السنوات الأخيرة قرارات غير مسبوقة لتحقيق نقلة نوعية في المشهد الفني، حيث نُظِّمت مهرجانات موسيقية وسينمائية، وافتُتحت صالات «الفن السابع»، وأُسِّست مراكز حاضنة للإبداع ومنصات للمتميزين والموهوبين، أوجدت صناعة حقيقية تُعنى بالسينما والدراما والغناء، وأسهمت في توظيف المناخ الفني لخدمة المجتمع، وتعزيز حركة البناء والتنمية التي تشهدها المملكة، ما يؤكد حضورها الفني خليجياً وعربياً وعالمياً.
تطور درامي
قدم صناع الدراما السعوديون أعمالاً درامية حققت رواجاً في الساحتين الخليجية والعربية عبر الشاشة الفضية، فضلاً عن التوجه نحو المنصات الرقمية، والتي مزجت في حبكتها بين الأصالة والتراث والعادات والتقاليد، وروح الحاضر والمعاصرة، فكان أول مسلسل سعودي يتم إنتاجه «الفارس الحمداني» الذي أنتجه تلفزيون الرياض عام 1969 وشارك فيه خالد بوتاري وعبد الهادي أحمد وحمد الهذيل.
ومنذ فترة التسعينيات وحتى الآن، تم إنتاج العديد من الأعمال الاجتماعية والكوميدية والتاريخية التي حققت بصمة مميزة في عالم الإنتاجات الدرامية، حيث كانت النقلة النوعية للمسلسلات السعودية والتي فتحت الباب لظهور نخبة كبيرة من الممثلين السعوديين، هو المسلسل الكوميدي «طاش ما طاش» الذي بدأ عرضه عام 1993، والذي استمر 20 عاماً بعدد حلقات 540 على مدار 18 موسماً، ومن بعدها توالت إنتاج الأعمال السعودية التي حققت نجاحاً كبيراً، أبرزها «أسوار»، «أبو الملايين»، «حصاد الزمن»، «حارة الشيخ»، «المجهولة»، «السلطانة»، «لعبة الشيطان»، «لعبة المرأة رجل»، «هوامير الصحراء»، و«سيلفي».
ونجحت بعض المسلسلات التي عرضت في المواسم الرمضانية الأخيرة في تحقيق صدىً كبيرٍ، خصوصاً مع اختلاف موضوعاتها وجرأتها في الطرح والمضمون، ومن أبرز تلك الأعمال، «ممنوع التجول» لناصر القصبي، و«دون» الذي اعتمد بشكل كبير على جانب الحركة والألغاز البوليسية، و«عندما يكتمل القمر» الذي مزج بين الواقع والخيال والرعب، و«من دون فلتر» الذي شهد عودة الفنان عبدالله السدحان، عبر حلقاته المنفصلة والقصص المتنوعة، والتي ألقت الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية داخل المجتمع السعودي، و«يلا نسوق» الذي يدور في إطار كوميدي حول مجموعة من الفتيات اللاتي قررن افتتاح مركز لتعليم قيادة السيارات للسيدات.
وبعد التطور اللافت الذي وصلت إليه السعودية، قرر صناع الدراما الخروج من الإطار الدرامي التقليدي وإنتاج مسلسلات لعرضها عبر المنصات الرقمية، والتي نالت رواجاً كبيراً أبرزها: «رشاش» و«الميراث» و«وساوس»، والتي شارك في بطولتها نخبة من نجوم الدراما السعودية المخضرمين والشباب.
السينما.. جوائز دولية
كان «الذباب» أول فيلم سعودي تم إنتاجه عام 1950 ولعب بطولته حسن الغانم، وفي عام 1966 أُنتج فيلم «تأنيب الضمير» إخراج سعد الفريح، وفي عام 1975 أخرج عبدالله المحيسن فيلم «تطوير مدينة الرياض»، وبعد ذلك تم إنتاج أفلام عدة ساهمت في تطور الحركة السينمائية في المملكة، أبرزها: «موعد مع المجهول» 1980، و«الإسلام جسر المستقبل» 1982.. في حين كان أول فيلم سعودي يحصل على جائزة دولية هو «اغتيال مدينة» للمخرج عبدالله المحيسن، وحاز حينها جائزة «نفرتيتي» لأفضل فيلم قصير عام 1977 في مهرجان القاهرة السينمائي، كما تُوج فيلم «حرمة» بالجائزة الذهبية لمهرجان بيروت السينمائي عام 2013.
وفي ظل النهضة الكبرى التي تشهدها المملكة، وبعد افتتاح صالات العرض وإقامة مهرجانات السينما، ظهرت مجموعة من المخرجين والممثلين والمنتجين المهتمين بدخول عصر جديد للسينما، ومن أبرز هذه المهرجانات: مهرجان أفلام السعودية، ومهرجان أفلام الأطفال، وملتقى ليالي الأفلام السعودية في الرياض، وتدشين «بيت السينما»، كانت البداية الحقيقية للسينما السعودية خصوصاً الشبابية عام 2006 عندما أُنتج فيلم «كيف الحال»، بعدها تحمس المنتجون لإنتاج أفلام أخرى، أبرزها فيلم «مناحي» بطولة فايز المالكي 2009، و«وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور عام 2012، كما تم إنتاج أول فيلم رسوم متحركة سعودي بتقنية 3D بعنوان «بلال» عام 2015.
وتوالت النجاحات التي حققتها الأعمال السينمائية السعودية، حيث تم إنتاج وعرض عددٍ من الأفلام التي حصدت جوائز عربية ودولية وعالمية، بينها: «وجدة» و«ماري شيلي» و«المرشحة المثالية» للمخرجة هيفاء المنصور التي حصدت من خلالهم العديد من الجوائز، و«سيدة البحر» للمخرجة شهد أمين التي فازت من خلاله بجائزة «فيرونا» الفيلم الأكثر إبداعاً، في النسخة الـ 76 من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، عقب عرضه ضمن مسابقة أسبوع النقاد المرموق، و«نجد» بطولة حياة الفهد ومريم الغامدي وإبراهيم الحربي، وهو من تأليف خالد الراجح وإخراج سمير عارف الذي حصد جائزة «الصقر الخليجي الطويل» في الدورة الثانية من مهرجان العين السينمائي.
شراكة فنية
شراكة فنية استثنائية تحققت بين الإمارات والسعودية، جسدت قوة ترابط العلاقات الإماراتية السعودية، وهو ما تجلى واضحاً في تنفيذ تعاونات فريدة بين جهات فنية في مجالات مختلفة، لتصوير أعمال سينمائية ودرامية يشترك في بطولتها نخبة من نجوم الإمارات والسعودية، وفي إطار هذا التعاون قدمت (twofour54) بالشراكة مع O3 للإنتاج والتوزيع الدرامي والسينمائي المندرجة تحت مظلة MBC 4 أعمالاً درامية تلفزيونية سعودية خلال السنوات الـ 5 الماضية، والتي حققت نجاحات كبيرة، منها: «بنات الملاكمة» و«حارة الشيخ» و«العاصوف»، والذي تم تصويرهم في أبوظبي، إلى جانب مسلسل «الميراث» الذي صور موسمه الثالث في أبوظبي، وهو إنتاج مشترك بين (Twofour 54، وImage Nation Abu Dhabi، MBC STUDIOS)، وبدورها قامت (twofour54) أبوظبي بتقديم كل التسهيلات اللازمة لإنجاز الأعمال على أفضل صورة.
قفزة نوعية
الممثلة السعودية ريما عبد الله التي تشارك في بطولة مسلسل «الميراث»، عبّرت عن فخرها بالنقلة النوعية التي حققتها السعودية في مجال الثقافة والفنون، معتبرة أن هذه التحولات التي تشهدها منذ انطلاق «رؤية 2030» علامة فارقة ستؤرخ لمرحلة وعصر جديد للسعودية والمنطقة.
تبادل خبرات
الممثل السعودي عبد المحسن النمر، الذي شارك في بطولة المسلسل الإماراتي «المنصة»، وعُرض على شاشة «قناة أبوظبي»، والمنصات الرقمية، أكد أن التعاون الفني بين الإمارات والسعودية يخلق أعمالاً ذات جودة عالية في المضمون ومستوى التنفيذ، ويشكل نوعاً آخر من تبادل الخبرات والثقافات وتقارب وجهات النظر الفنية حول تقديم أعمال ذات مستوى عالٍ تحظى بإقبال جماهيري وترسخ لثمرة هذا التعاون المشترك، مهنأ السعودية بيومها الوطني الـ92، ومتمنياً لها دوام الرخاء والأمن والاستقرار والسلام، مؤكداً أنها شهدت في السنوات الماضية إنجازات في عالم الفن السابع والدراما والغناء، وذلك بفضل القرارات التي اتخذها حكام المملكة والتي تتوجه بدعم الحركة الفنية والثقافية.
انفتاح
ترى الفنانة السعودية شهد أمين مخرجة فيلم «سيدة البحر»، أن التعاون المثمر بين الإمارات والسعودية في عمليات الإنتاج السينمائي والدرامي من خلال شركات داعمة، مثل «إيمج نيشن أبوظبي»، و«twofour54»، يعزز من قوة مشاريع الإنتاج المشترك، مؤكدة أن للشركات المنتجة دوراً مهماً في دعم الأفكار الجديدة ووصولها إلى أرض الواقع، وطرح سينما مختلفة ومتطورة، موضحة أنه في ظل التطورات التي تشهدها المملكة، وفتح دور عرض للسينما، فهي تسير نحو آفاق من النجاح والتطور الإيجابي في ضوء هذا الانفتاح.
أغانٍ إماراتية سعودية
عدد من الأغاني والأوبريتات الوطنية التي قدمت في السنوات الأخيرة، شارك فيها نخبة من نجوم الغناء من الإمارات والسعودية، والتي عبّرت عن مدى التلاحم والترابط الذي يجمع بين البلدين، ومن أبرزها: «تشبه الأوطان دوماً أهلها» التي أداها عبادي الجوهر وحسين الجسمي، و«عهد بيننا» التي أداها محمد عبده وعيضة المنهالي، و«طموحاتي سعودية» لفايز السعيد والجوهرة، و«حلوة الإمارات» لماجد المهندس.
جدة والرياض
سعياً نحو تحويلها إلى وجهة ترفيهية سياحية عالمية، أقامت المملكة العربية السعودية عدداً من المهرجانات الفنية، أبرزها: «مهرجان موسم الرياض» و«مهرجان جدة»، حيث يحرص كل مهرجان منهما على دعم قطاع الفعاليات الترفيهية والمناسبات الفنية، وقد حظي كل من المهرجانين بإقبال منقطع النظير، وكان خير دليل على عودة السعودية إلى إقامة الحفلات الغنائية والمهرجانات الموسيقية والتي شارك في إحيائها نخبة من نجوم الغناء والموسيقى في الإمارات والخليج والوطن العربي والعالم.
صناع الترفيه
أقيم خلال عام 2022 في الرياض حفل جوائز صناع الترفيه «Joy Awards 2022»، الذي جمع ألمع النجوم والمشاهير في مكان واحد، وهو أضخم حفل يحتفي بصناع الترفيه في العالم العربي، حيث يرشَّح فيه أفضل الفنانين والفنانات في مختلف المجالات، ضمن 13 جائزة.
تطور الغناء
تنوعت الموسيقى وألوان الغناء في السعودية باختلاف مناطقها، ويعتبر طارق عبد الحكيم، الأب الأكاديمي للأغنية السعودية، كما برز عدد من المطربين الذين أسهموا في انتشار الأغنية السعودية، منهم طلال مداح ومحمد عبده وخالد عبد الرحمن وراشد الماجد ورابح صقر وعبادي الجوهر وعبد المجيد عبد الله، وخلال مرحلة تكريس انطلاقة الأغنية السعودية أسس طلال مداح ولطفي زيني شركة «رياض فون»، واستطاع مداح أن يقدم تجربة لافتة في تطوير الأغنية السعودية من خلال نقلات مهمة في أغنياته، مثل «وردك يا زارع الورد»، و«عطني المحبة» و«مقادير»، و«أغراب» و«الموعد الثاني»، وقدم مداح الدعم الكبير لعددٍ من المطربين السعوديين الذي أصبحوا نجوماً في سماء الأغنية السعودية والعربية.