السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«لماذا يتحارب البشر؟!».. كتاب «اقتصادي» في «السياسة»

«لماذا يتحارب البشر؟!».. كتاب «اقتصادي» في «السياسة»
9 يوليو 2022 00:39

محمد وقيف

عندما ألّف عالم الاقتصاد الكندي كريستوفر بلاتمان كتاب «لماذا نتحارب.. أسباب الحرب وطرق السلام»، لم يكن يعلم أن حرب أوكرانيا ستندلع قريباً مفجِّرةً أكثر حرب دموية في أوروبا منذ عام 1945. غير أن هذه الحرب وفّرت التجربةَ الطبيعية التي يبحث عنها علماء الاجتماع مثل بلاتمان، وبالتالي، هناك فرصة لاختبار ما إن كانت أطروحة بلاتمان تساعدنا على فهم أسباب اندلاع هذه الحرب، وما إن كانت الأطروحة تقترح طرقاً نحو سلام دائم. 
يهتم بلاتمان بأكثر من الحروب الكبيرة التي تندلع بين الدول، ذلك أنه يريد أن يفهم الأسباب التي تدفع أي جماعة من البشر إلى الانخراط في عنف منظم ومستمر رغم أن تكاليفه مرتفعة جداً. وهو يحاجج بأن معظم المجموعات تسوّي خلافاتها من دون عنف، أو تختار «كره بعضها بعضاً في سلام»، على حد تعبيره. 
وتماماً مثلما يقبل طرفان متقاضيان في قضية معقّدة ومتشعّبة أمام المحكمة بعقد صفقة وتسوية ودّية لتفادي تكاليف محاكمة طويلة، فإن عصابات الشارع والمتمردين والحكومات تبحث عادةً عن طرق للتوصل لاتفاق عوضاً عن المجازفة بركوب خطر التعرض للتدمير. بيد أن هذا الجنوح للسلم يفشل أحياناً، كما يقول بلاتمان، حين ينتصر خليطٌ سامٌ من خمسة شروط. والسياق الذي تنتجه هذه الظروف، وليس ندرة الموارد أو الفقر أو أي من أسباب الحرب التي تساق عادةً، هو الذي يشرح ويفسّر «لماذا نتحارب؟».
لكن إلى أي مدى ينجح هذا النموذج في تفسير حرب أوكرانيا؟ أولاً، يقول بلاتمان، تحدث الحروب حينما تكون لدى الزعماء مصالح غير مقيّدة، ما يشجّعهم على أخذ جماعاتهم إلى الحروب أو نزاعات طويلة لأن حساباتهم الشخصية للمخاطر في مقابل الأرباح تختلف عن حسابات الجماعة. والعامل الأساسي بالنسبة لبلاتمان هنا هو فعالية نظام الضوابط والتوازنات الذي يشتغل في مجتمع ما، وليس بالضرورة مستوى ديمقراطيته أو سلطويته. 
ثانياً، يمكن أن يبدأ الصراع عندما تتغلب دوافع غير ملموسة مثل الشرف أو الانتقام أو الشعور بالظلم على التحيز للسلام. والأيديولوجيا والمجد والغضب.. كلها أمور قد تؤدي إلى تضييق مساحة المساومة والتفاوض، لاسيما إذا كان أعضاء جماعة ما يتعاطفون جداً مع الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم تعرّضوا للظلم.

ثالثاً، يمكن أن تنجم الحروب عن حالة عدم اليقين، لاسيما عندما تصبح لدى طرف ما ثقة مفرطة في المعدات أو المزايا الأخلاقية التي يظن أنه يمتلكها ويتفوق بها على خصمه. وفضلاً عن ذلك، فإن الطرفين في الصراع لا يتقاسمان المعلومات نفسها، مثلما أنهما لا يؤوّلان معلوماتهما ولا يستخدمانها بالطريقة نفسها. 
الرابع، كما يحاجج بلاتمان، هو قرار جماعة ما استخدام العنف من أجل حلّ مشكلة قبل أن تضعف القوة الذاتية لهذه الجماعة أو تصبح أضعف (أو يصبح خصمها أقوى) من أن تنتصر عليه. 
وهنا يشير المؤلف إلى مثال اعتقاد إدارة جورج دبليو. بوش بأن عليها أن تسارع إلى ضرب العراق في عام 2003 قبل أن يؤدي تطوير العراق لأسلحة الدمار الشامل المزعومة إلى زيادة كبيرة في تكاليف حرب مستقبلية بالنسبة للولايات المتحدة. كما يسوق مثالاً شهيراً آخر هو مثال الحرب البيلوبونيسية التي خاضتها اسبرطة ضد أثينا قبل أن يضع صعودُ هذه الأخيرة الأولى في حالة ضعف ونقص شبه دائمة.
خامساً وأخيراً، يسير بلاتمان على خطى عالم السياسة الأميركي روبرت جيرفس، الذي حاجج بأن التصورات الخاطئة تمثّل سبباً رئيسياً للحرب. ذلك أنه يمكن لطرف ما أن يخطئ في الحكم ويسيء تقدير قوته (أو قوة خصمه)، أو الرد الممكن للمجتمع الدولي، أو شجاعة قادة العدو، أو رغبة واستعداد شعب ما للتضحية من أجل الانتصار. بيد أن هذا العامل يطرح إشكاليةً أكبرَ على اعتبار أن لدى كل طرف حافزاً لزيادة التصور الخاطئ لدى الآخر من خلال الخداع والادّعاء والمناورة. 
الفئات الخمس التي استعرضها بلاتمان عامةٌ، ويمكن تمديدها لتلائم تشكيلة واسعة من السياقات، من الحرب الأهلية في ليبيريا إلى عنف العصابات في شيكاغو، إلى حرب أوكرانيا. لكن نقطة القوة هذه تحديداً يمكن أن تتحول إلى ضعف إذا ما حاول القرّاء وصناع السياسات جعل النموذج مناسباً لكل وضع. 
ومما لا شك فيه أن السجل التاريخي ليس بهذه الدرجة من الوضوح والتنظيم. وبالتالي، فإن القيمة الكبيرة لهذا الكتاب لا تكمن في توفير قائمة بعدد معين من الشروط، وإنما في مجموعة من التحذيرات. فبلاتمان يستخدم استعارة الطيّار، إذ حينما تكون الأجواء صافية والطائرة تحلّق في الارتفاع المناسب، فينبغي ألا نقلق بشأن سلامة الركاب المسافرين على متنها. غير أنه حينما يكون الربّان بصدد القيام بمناورة بالطائرة أو التحليق في ظروف مناخية سيئة، فإن احتمالات الكارثة تزداد. وبالتالي، فالتحدي هو خلق أنظمة في المستويات المحلية والوطنية والدولية تخلق أجواءً أكثر أمناً. 

خطوات تدريجية نحو السلام
يريد بلاتمان لقرائه أن يصبحوا مرتاحين مع الخطوات التدريجية الصغيرة نحو السلام، لأن السلام هو ما تسعى إليه معظم الجماعات في نهاية المطاف. وبالنظر إلى انتشار عوامله السببية الخمسة مع الوقت، فإنه لا يمكننا توقع تحقيق السلام العالمي فجأةً ولا نهاية التاريخ قريباً. وبالمقابل، ينبغي السعي إلى خلق اعتماد متبادل بين المجتمعات، وتقوية نظام الضوابط والتوازنات في عملية صنع القرار الحكومية بشأن الحرب، ودعم تدخلات أطراف خارجية بغرض الحيلولة دون استفحال المشاكل الصغيرة وتفاقمها.

الكتاب: لماذا نتحارب؟.. أسباب الحرب وطرق السلام
المؤلف: كريستوفر بلاتمان
الناشر: فايكينج
تاريخ النشر: أبريل 2022

عن خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©