الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«ويصا واصف».. متحف صديق للبيئة

لوحات من إبداع كوادر مركز رمسيس ويصا (من المصدر)
2 يوليو 2022 01:31

شعبان بلال (القاهرة) 

على صوت فيروز وأم كلثوم، تمارس رضا أحمد شغفها بالنسج بالنول في دقة متناهية وبأدوات بسيطة، وأنامل احترفت هذا العمل على مدار سنوات في مركز رمسيس ويصا واصف للفنون في مصر.
رحلة الخمسينية رضا، بدأت منذ طفولتها في عام 1975 بالالتحاق بمركز ويصا واصف لتعلم هذا الفن على يد المهندس المعماري والفنان رمسيس واصف، الذي أنشأ المركز في قرية الحرانية بمحافظة الجيزة، على بعد 30 كيلومتراً عن العاصمة المصرية القاهرة، لنشر حرية التعبير والخيال وقدرة الإبداع لأي إنسان في الرسم والتطريز وصناعة السجاد والكليم وغيرها. 
تقول رضا لـ «الاتحاد الأسبوعي»، إنها تعمل منذ 47 عاماً في صناعة السجاد بالنول بعد أن التحقت وهي طفلة في مركز ويصا واصف في قريتها الحرانية التي لم يكن فيها أي حرف أو وظائف للفتيات والسيدات، مضيفة أن المركز زرع فيها حب الفن وأصبح بالنسبة لها عملها هو حياتها.

تستوحي رضا أفكارها من الطبيعة التي تراها بعين الفنان ثم تمزج ذلك ببعض من الخيال لإخراج لوحات فنية أبهرت وزراء وسفراء وفنانين من كل دول العالم، وشاركت في جميع المعارض الفنية في دول العالم. 
تضيف رضا، وهي ممسكة بأدواتها البسيطة في التطريز وصناعة السجاد، إن كل لوحة تنتهي منها تمثل لها «فرحة»، موضحة أن كل عملها يخرج من القلب، وجميع لوحاتها محببة إلى قلبها وكأنها أطفالها. 

25 فناناً وفنانة
رضا أحمد ليست الفنانة الوحيدة التي احترفت هذا العمل بالمركز وتعلمت فيه منذ طفولتها، فهناك 25 فناناً وفنانة بدؤوا منذ طفولتهم رحلة الإبداع بالمركز وبالتحديد منذ عام 1952 لدرجة أن بعضهم تجاوز عمر السبعين عاماً ولا يزال يواصل شغفه بالرسم، فهناك 12 فناناً وفنانة يرسمون بالنول نسيج صوف، و10 آخرين نسيج قطن رفيع، و3 آخرين يمارسون فن الباتيك الآسيوي وهو الرسم على القماش الأبيض بالشمع السائل، ثم يصبغه ثم يرسم على لون الصبغة الجديدة ويغلي القماش في مياه مغلية ليتبقى الرسم بالألوان المختلفة، وفق ألفنوس غطاس مرشد مركز ومتحف رمسيس ويصا واصف.

يوضح ألفنوس أن جميع الخامات المستخدمة صناعات ذاتية داخل المركز من القطن المصري والصوف البلدي والصبغات النباتية التي تتم زراعتها أيضاً داخل المركز كل عام بكميات كبيرة تكفي الاستخدام.

زهور ونباتات
وفي الغرفة المجاورة إلى رضا، تجلس الفنانة الأربعينية منى علي سليم، التي بدأت أيضاً رحلتها وهي طفلة في عمر 9 سنوات مع والدها في تعلم الرسم بالنول بمركز ويصا واصف، حتى أصبحت الآن محترفة وتمارس شغفها بدقة. 
تقول منى، التي تصنع ترسم بالنول: إنها تحب رسم الزهور والورد والنباتات، موضحة أن اللوحة الواحدة قد تستغرق 7 أشهر حتى تخرج إلى النور.

ناسيم
ومنذ عام 1981 وهي في عمر 11 عاماً، التحقت الفنانة الأربعينية ناسيم بمركز رمسيس ويصا واصف رغم العادات والتقاليد المتوارثة في قريته الحرانية التي تمنع عمل الفتيات، قائلة: «الرسم والشغل أصبح كل حياتنا وفي دمنا ونستوحيه من الخيال والطبيعة».  
وأضافت ناسيم أن لوحاتها شاركت في جميع المعارض العالمية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد وأميركا وغيرها، بالإضافة إلى سفر زملائها الأقدم منها إلى العديد من دول العالم، مشيرة إلى أن إحدى لوحاتها التي تجسد أهل الريف المصري في الاحتفال بالزفاف موجودة في أحد المعارض العالمية في الولايات المتحدة.

محروس.. من الحرانية إلى لندن وإيطاليا
للرجال نصيب من فن النسيج بالنول، فالفنان محروس عبده من قرية الحرانية انضم إلى المركز في عام 1975، وهو في عمر 11 عاماً، تدرج في تعلم فن النسيج بالنول حتى احترف هذا الفن الذي يستوحي أفكاره من الطبيعة، ليشارك بعد رحلة طويلة في معرضين بلوحاته في إيطاليا ولندن التي جذبت العديد من مختلف دول العالم على مدار السنوات الماضية. 

عصر الميكنة
ألفنوس غطاس، مرشد مركز ومتحف رمسيس ويصا واصف، يحكي لـ «الاتحاد» تاريخ المركز وفكرته، موضحاً أن المركز بدأ عمله عام 1952 على يد رمسيس ويصا واصف المهندس المعماري الذي كان يُدرس العمارة وتاريخ فن في كلية الفنون الجميلة، الذي رأى أن نهاية الكثير من الحرف التقليدية والإبداعية مع بداية عصر الميكنة، وبدأ فكرته في إنشاء مركز الفنون في قرية الحرانية بمحافظة الجيزة. 
ونجح رمسيس ويصا واصف في جذب 15 طفلاً إلى المركز لتعليمهم وتدريبهم على الفنون اليدوية، خاصة صناعة النسيج في عام 1952، تاركهم لخيالهم وإبداعهم الفني دون التأثر بأي تجارب أخرى، وبعد وفاته أكملت أسرته المسيرة في تعليم أجيال أخرى.

بناء صديق للبيئة
انعكس حب رمسيس إلى التكامل بين الطبيعة والإنسان على طريقة بناء المركز على يد أهالي الحرانية الصديقة للبيئة، ليتم بناء المبنى من قوالب الطين المجفف بمساعدة معلمين حرفة البناء، واعتمد رمسيس على العمارة المحلية في بناء المعرض ليحيي التراث المصري. 
وبُني المركز على شكل القباب والأقبية بأساليب قديمة تحترم البيئة، فدرجة حرارة المبنى من الداخل تكون منخفضة على عكس درجة الحرارة المرتفعة خارج المبنى دون استخدام مكيفات أو وسائل أخرى، بالإضافة إلى عمل ثقوب في الأسقف لتدخل أشعة الشمس ليتم الحصول على الضوء طبيعيا.  وحصل رمسيس، بعد وفاته عام 1974 وأكملت أسرته المسيرة، على جائزة «الأغاخان» عام 1983 تقديراً لأعماله وبنائه الفريد الصديق للبيئة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©