واشنطن (الاتحاد)
بعد ستة أعوام من الانقطاع، ها هو حفل البيت الأبيض الشهير للمراسلين الذين يقومون بتغطية أخباره، يعود من جديد. فقد قرر الرئيس الأميركي جو بايدن أن يفتح أبوابه أمام الصحفيين، خصوم كل رئيس، ليستأنف إقامة حفل العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض. تحدث بايدن خلال الحفل، ووصف الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه كان «بلاءً مروعاً»، كما سخر من خصومه السياسيين.
وفي العادة، يتعامل الرؤساء الأميركيون مع هذا التقليد السنوي بأريحية كبيرة، حيث يتيحون الفرصة للصحفيين ومشاهير الميديا الأميركية في السخرية منهم بطريقة ودية طبعاً. وكان ترامب قد قاطع هذا العشاء منذ توليه السلطة عام 2016، ثم توقف الحفل عامين بسبب كورونا.
وبخفة ظله، التي طالت بايدن بعض الشيء، سرق الممثل الكوميدي ومقدم برنامج The Daily Show تريفور نواه، الأضواء خلال الحفل.
تمثل رابطة مراسلي البيت الأبيض رمزا مهما للغاية في منظومة الإعلام الأميركية منذ سنين بعيدة، ودليلا أكيدا على حرية الصحافة، حيث «ساعدت طوال أكثر من 100 عام في خلق الشفافية على أعلى مستويات الحكومة الأميركية من خلال تشجيع صحفييها على تقديم تقارير شاملة ووافية عن الرئيس ونائب الرئيس»، حسبما يقول موقع لوزارة الخارجية الأميركية. وهي أيضا تعد مقياسا لطبيعة العلاقة بين الصحافة وبين الرئيس الأميركي. ولا توجد علاقة رسمية بين الرابطة البالغ عدد أعضائها 400 شخص وبين الإدارة الأميركية. فهم يعملون لحساب محطات إذاعة وتلفزيون وصحف ومطبوعات ومنصات رقمية بالولايات المتحدة وخارجها.
متى تأسست الرابطة؟
وينقل تقرير موقع «شير أميركا» التابع لـ»الخارجية» الأميركية عن ستيفن توما، المدير التنفيذي للرابطة ورئيسها السابق، إن التنوع الجغرافي للصحفيين الذين يشاركون في تغطية المؤتمرات الصحفية اليومية في البيت الأبيض يمثل «مثالاً عظيماً على قوة حرية الصحافة في أميركا.»
وبادر الطاقم الصحفي الذي يغطي أخبار البيت الأبيض إلى تأسيس الرابطة عام 1914 لضمان استمرار المؤتمرات الصحفية اليومية التي يعقدها البيت الأبيض، بعدما حاول الرئيس ويلسون وقفها تماما، عندما نشرت بعض الصحف تقارير لم تعجبه.
ومنذ الحين والعلاقات بين الطرفين في صعود وهبوط، بحسب شخصية كل رئيس جديد يدخل إلى البيت الأبيض. وربما كان الرئيس الراحل جون كيندي والرئيس الأسبق باراك أوباما من أكثر الرؤساء الذين تمتعوا بعلاقات طيبة إلى حد ما مع الصحافة. وكان المضاربون وخبراء سوق الأوراق المالية يحرصون على حضور المؤتمرات الصحفية بالبيت الأبيض لاستغلال أي معلومات أو أخبار في التصريحات التي يدلي بها الرئيس الأميركي لتحقيق مكاسب مالية فورية قبل أن تنشرها وسائل الإعلام. واضطر ذلك الرابطة إلى قصر حضور المؤتمرات على الصحفيين المعتمدين.
أين يجلس المراسلون؟
ووسائل الإعلام نفسها هي التي تحدّد المراسلين الذين يمثلونها في المؤتمرات الصحفية للبيت الأبيض، وجمعية مراسلي البيت الأبيض هي التي تقرّر أماكن جلوسهم. ويكون لمقعد المراسل في غرفة المؤتمرات الصحفية أهميته. فكلما ابتعد مقعد المراسل إلى الخلف، يكون احتمال السماح له بطرح الأسئلة أقل. وفي مارس 2015، حصل قادمون جدد نسبياً من موقع بازفييد على الإنترنت، على مقاعد في الصفين الخامس والسابع. وفي أحيان كثيرة، تشكل المؤتمرات الصحفية الفرصة الوحيدة لحصول الصحفيين على تسجيل لما يقوله المسؤولون في البيت الأبيض حول أخبار اليوم.
وإذا لم يتم توجيه الدعوة للصحفي، فإنه يخسر فرصته للحصول على وجهة نظر البيت الأبيض حول مسألة يقوم بتغطيتها، بحسب «شير أميركا».والبيت الأبيض ليس لديه الكثير من السيطرة على مراسلي البيت الأبيض. لكن المكتب الصحفي للبيت الأبيض ينسق أوراق اعتماد الصحفيين لديه مع جهاز الأمن السري الأميركي.نظراً للقيود المالية التي باتت تجبر بعض المطبوعات والصحف على تقليص تغطيتها ونتيجة للشعبية المتنامية لوسائل الإعلام الاجتماعية التي تجلب مؤسّسات جديدة إلى غرفة المؤتمرات الصحفية، فإن منظومة الصحفيين بالبيت الأبيض قد تغيّرت على مدى العقد الماضي.
من هم أعضاء الفريق الصحفي؟
تقدم الرابطة العديد من الخدمات للمراسلين، حيث تدعم أعضاءها في المحاكم إذا كانوا بحاجة إلى الدعم. كما تحدد الأماكن التي يجلس فيها الصحفيون في قاعة المؤتمرات في البيت الأبيض، بينما تقوم بتعيين «أعضاء الفريق الصحفي» الذي يرافق الرئيس بالتناوب خلال رحلاته. والفريق يتكوّن من 13 إلى 20 صحفياً يغطون الأحداث ويرفعون التقارير لاستخدامها من قبل بقية الصحفيين.
ويقول ستيفن توما، في تقرير «شير أميركا»: إن سبب وجود الفريق هو أننا لا نستطيع استيعاب أعضاء الطاقم الصحفي بأكمله المكون من عدة مئات من الأشخاص على متن طائرة الرئاسة، ولا يمكننا استيعاب الطاقم الصحفي بأكمله في قاعة المؤتمرات الصحفية».وأضاف أنه لا يشترط الانضمام إلى الرابطة لتغطية البيت الأبيض، لكن معظم الصحفيين العاملين هناك يفعلون ذلك. وعندما بدأت الرابطة عملها كان جميع أعضائها من الذكور والبيض. كانت أول امرأة على الأرجح هي كورا ريغبي من صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، التي انضمت في عشرينيات القرن الماضي.
متى انضم أول مراسل ملون؟
كان المراسل الصحفي هاري إس ماك ألبين جونيور، من الرابطة الوطنية للناشرين الزنوج، أول ملون يقوم في 1944 بتغطية مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي، على الرغم من رفض الجمعية قبول عضويته. وقد حضر بدعوة من الرئيس فرانكلين روزفلت نفسه، إذ كان يتم استبعاد الصحفيين الملونين. وفي 2014، قامت الرابطة بإطلاق اسم ماك ألبين على منحة جامعية ومنحته عضوية بعد وفاته.
لويس لوتيير خلف ماك ألبين مراسلاً للرابطة الوطنية للناشرين الزنوج في واشنطن، وأصبح أول عضو أسود في رابطة مراسلي البيت الأبيض في 1951.
وللتأهل للعضوية العادية اليوم، يجب على الصحفيين تغطية البيت الأبيض باعتباره شغلهم الرئيسي والعمل في مؤسسة لجمع الأخبار تقدم تقارير عنه بانتظام. كما يجب أيضاً اعتماد مقدم الطلب أو المؤسسة الإخبارية من قبل اللجنة الدائمة للمراسلين الصحفيين بالكونغرس.
وأعضاء اللجنة الخمسة هم صحفيون (ينتخبهم صحفيون آخرون لمدة سنتين) يقومون باعتماد المراسلين لتغطية أعمال الكونغرس.
كيف يتم إعداد مراسلي المستقبل؟
تقدم الرابطة منذ 1991 منحاً دراسية للطلاب الجامعيين والخريجين الذين يدرسون الصحافة بالجامعات الأميركية.
تذهب ثلاث من أكبر المنح الدراسية إلى الطلاب في جامعة هوارد، وهي واحدة من الجامعات المعروفة تاريخياً بأنها للسود. وتختار الرابطة الوطنية للصحفيين من أصول لاتينية ورابطة الصحفيين الأميركيين الآسيويين بعض الأسماء للحصول على منح دراسية.
تساعد المنح الدراسية الطلاب في تعلم كتابة التقارير الصحفية المتعلقة بالسياسة أو الحكومة أو السياسات الخارجية. وتكتب الطالبة بالجامعة الأميركية ريدي ستي قصصاً عن أشخاص تم استبعادهم تاريخياً. وقد حصلت مؤخراً على منحة دراسية تمولها كليتها والرابطة لمساعدتها في التركيز على الصحافة الاستقصائية.
لا تساعد المنحة في تغطية رسومها الدراسية فحسب، بل تساعدها أيضاً في أن تحظى بمرشد صحفي يغطي البيت الأبيض. قالت ستي: «هناك دائماً المزيد لنتعلمه. وأنا متحمسة جداً لمعرفة المزيد عن مجال أنا شغوفة به للغاية».