خولة علي (دبي)
أثبت الحرفيون قديماً براعتهم في التعاطي مع مكوِّنات البيئة المحلية وتطويعها لإنتاج مفردات قادرة على تلبية احتياجاتهم. ومن حياة الجبال وطبيعتها القاسية وما يحوطها من أخطار، لجأ سكانها إلى صناعة أدوات قادرة على حمايتهم وتسهيل سبل العيش. ولم تكن أيدي الرجال تخلو من «اليرز»، وهي عصا خشبية برأس فأس صغيرة، ترافقهم في أعمالهم ومشاويرهم اليومية، وحتى في مناسباتهم الاجتماعية، وأصبحت لها دلالات رمزية ترتبط بتاريخهم وتراثهم.
زخارف
من الحرفيين الذين ما زالوا يمارسون صناعة «اليرز» ويتفننون في زخرفتها، سعيد الظهوري الذي ورث هذه الحرفة عن أجداده وأبدع فيها، وحاول جاهداً أن يواصل مسيرته في صون هذا الموروث وعرضه بتصاميم جاذبة مع الحفاظ على تفاصيله وشكله التقليدي. وعبر قراءة مثل هذه المشغولات الحرفية يمكن أن نتعرف على منظومة الحياة الاجتماعية والاقتصادية سابقاً، والتي قد تختلف من بيئة إلى أخرى، نظراً لما فيها من خامات.
رأس الفأس
ويقول الظهوري: اشتهرت هذه القطعة بين أهل الجبال قديماً، ولا تزال حاضرة في تفاصيل حياتهم إلى يومنا هذا، فهي تشكِّل تراثهم وجزءاً من تقاليدهم وهويتهم. وكان الرجل من سكان الجبال لا يخرج من البيت إلا ومعه «اليرز»، وهي عصا باستخدامات متعددة، إذ استعان بها في حياته اليومية، يتكئ عليها أثناء سيره بين الصخور ليبعد عن طريقه كل ما قد يعرقل خطواته ووجهته. يحمل بها الأمتعة والأغراض على كتفه، ويستخدمها لجني الثمار وكل ما لا يستطيع أن يطاله بيده، كما تعينه أيضاً على مواجهة بعض الحيوانات الجبلية المفترسة، من خلال رأسها الصغير في المقدمة، والذي يشبه الفأس، فيكون وقعها مؤلماً على الطرف الآخر. وهي على بساطتها، خير رفيق للرجل أينما حلّ.
خشب ومعدن
بالحديث عن تفاصيل وأجزاء «اليرز»، يوضح الظهوري أن العصا عبارة عن قطعة خشبية يصل طولها إلى متر، ويمكن أن تكون بأطوال مختلفة وفقاً للطلب، تضم حقلتين دائريتين من الفضة، تقع إحداهما في أعلى العصا والثانية في أسفلها. أما الفأس، فهو رأس معدني حاد يُصنع من الفولاذ أو النحاس، أو الحديد غير القابل للصدأ. وتعتمد جودة «اليرز» على نوع الخشب المستخدم في صناعتها، وعلى متانة المادة الصلدة فيها، إلى جانب النقوش والزخارف التي تزينها، ما يزيد قيمتها ويجعلها من مقتنيات الرجال.
مراحل
وعن صناعة «اليرز»، يشير الظهوري إلى أنه لا بد من تحضير العصا أولاً، بعد قطعها من أشجار قوية ومتينة متعارف عليها في البيئة الجبلية، وذلك بتجفيفها وإزالة اللحاء الخارجي، ثم تخزينها وحفظها بشكل جيد في مكان دافئ بعيداً عن البرودة من عدة أشهر إلى سنة كاملة. وما أن تجهز العصا وتكتسب الصلابة، تبدأ مرحلة صناعة عصا «اليرز» من خلال تحديد طولها بحسب الحاجة. ثم تبدأ مرحلة زخرفة القطعة باستخدام مبرد صغير، وعمل بعض الخطوط في أطراف العصا لإكسابها قيمة إضافية.
طِلاء
لإكساب عصا «اليرز» لوناً، توضع في مادة الحناء، وتُطلى بزيوت خاصة تمنحها لمعة وبريقاً، وتحميها وتعزلها من المؤثرات الخارجية.
نِسب محدَّدة
رأس الفأس الصغير، يأتي بأحجام متباينة، بناءً على طبيعة استخدامه ورغبة الفرد، وفقاً لنِسب محدَّدة يجب عدم تجاوزها حتى لا يتحوّل وزن «اليرز» إلى عبء على حاملها. ورأس «اليرز» يُسخَّن ويُدق على النار ويُسحل بالمسحال، ثم يُثقب بحديدة بحسب حجم العصا.