لكبيرة التونسي (أبوظبي)
«صناعة اللبن» من الحِرف القديمة التي أجادتها المرأة الإماراتية، لسد حاجة أسرتها وعائلتها وجيرانها. ارتبطت بتربية «الحلال» من أغنام وأبقار وماعز، وشكلت نافذة على الموروث الثقافي والاجتماعي، حيث اشتهر بها البدو وسكان المناطق الجبلية ومارستها نساء أهل البر والساحل.
على الرغم مما تتطلبه هذه الحرفة من وقت وجهد، ما زالت مستمرة عند بعض الجدات والأمهات اللاتي يحتفظن بتفاصيلها ويشاركن بها في المهرجانات والمعارض بهدف نقلها للأجيال.
خطوات
وقالت محنة الشامسي التي تحترف هذه الصناعة التقليدية منذ أكثر من 30 عاماً، إن «خض اللبن» استثمار للحليب الذي تستخرج منه المرأة عدة مواد غذائية تتناولها طازجة أو تضيف عليها بعض النكهات لتطييب طعامها.
وأوضحت أن أداة «خض اللبن» تُصنع من جلد الماعز أو الخرفان، وتمر صناعتها بعدة مراحل. فبعد ذبح الشاة يُسلخ جلدها، مع مراعاة عدم خدشه بالسكين، ثم يضاف إليه الملح البحري ويفرك جيداً لإزالة بقايا الشحوم، ويترك لمدة 3 أيام، ثم يُغسل وتُضاف إليه بعض الأعشاب الجبلية المطحونة لفك الشَّعر أو الصوف عن الجلد. وبعدها تأتي مرحلة الدبغ عبر أعشاب معينة، ثم يُنظف «السقا» ويُخاط ويُفرك بالملح و«الياس»، وبعدها يكون جاهزاً لـ «خض اللبن».
وأوردت الشامسي أن «خض اللبن» ارتبط بالمرأة التي كانت تُعد أدواتها بنفسها وعلى مراحل، من صناعة «السقا» إلى تركيب الأعمدة التي تثبت فيها الأداة، وترويب الحليب في«الملة». أما «الخض» فيتطلب الصبر والقوة، لاسيما أن هذه العملية تستغرق بعض الوقت حتى يُفرز اللبن عن الزبدة. وكانت النساء يوزِّعن على جاراتهن، منتجات «خض اللبن» كالزبدة والجامي.
طريقة
وأكدت محنة الشامسي أن أطيب لبن يمكن تذوقه المُعد بالطريقة التقليدية في «السقا» المصنوعة من الجلد، والتي ما زالت تحافظ عليها حتى اليوم. وأوضحت أنه بعد القيام بحلب البقرة أو الماعز، يُصفى الحليب من الشوائب، ويوضع في «ملة» بمكان دافئ لترويبه، ويُغطى بقماشة.
وفي اليوم التالي يجهز «الروب»، وهي كتلة متماسكة، توضع في «السقا» وتُثبت على 3 أعمدة، حيث تُحرك مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف، وتعرف النساء الخبيرات متى يصبح اللبن جاهزاً، وبعملية بسيطة تقوم بفصله عن الزبدة. وبعد التأكد من اكتمال العملية، يُصب اللبن في «ملة» وتُصفى الزبدة، وتقوم بتوزيع جزء منه على جيرانها والاحتفاظ بالجزء الآخر، بينما تطهو اللبن الباقي على الحطب للحصول على «الجامي»، والذي يُتناول مع التمر في فصل الشتاء ومع الرطب في موسم القيظ.
ترويب الحليب
منتجات «خض اللبن» يمكن تناولها كما هي، أو تحويلها إلى زبدة وسمن. وكانت البيوت في السابق تتوفر على الأبقار والأغنام، حيث يُروَّب الحليب ثم يُخض وتُجمع الزبدة ثم تُضاف إليها البهارات مثل الكزبرة والحلبة والكركم الطبيعي لتضفي نكهة خاصة على الأكل الشعبي.
السمن
يُعتبر السمن الذي يغمر وجه بعض الأكلات الشعبية كالهريس، مادة أساسية في كل بيت إماراتي، لاسيما في رمضان. ويُعد السمن المحضر في المنزل حرفة أساسية ارتبطت بـ «خض اللبن»، ويختلف مذاقه من بيت لآخر، حيث تذوَّب الزبدة في قدر على نار هادئة، ويضاف الطحين، ثم الكركم المطحون، والكزبرة اليابسة والسنوت. ويتفاوت مذاق الدهن بناء على اختلاف المقادير المضافة إليه.