السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شيخة محمد الجابري تكتب: غصةُ الرحيل

شيخه محمد الجابري
18 ابريل 2022 01:19

أعلم أني ربما لا أكتبني اللحظة، ولكن اكتب الكثيرين، كلّ الدموع التي رأيتها مساء البارحة تقول ذلك، كل التفاعل الذي يصلني كلما لامس الحرف جرحاً أو روحاً يشرح ذلك، كل وجعٍ في الروح نكتمه أو تجهرُ به عيوننا يقول ذلك، الحديث عنّا وعمّا يختلج في أرواحنا من مشاعر وأحاسيس يتقاطع مع آخرين يحملون ذات الشعور، أو الهم، أو الحالة التي تتماوج نكوصاً وثبات، يعبّر عن ذلك.
ما كنتُ أتصوّر أن رحيل الأصدقاء يفعل بنا ما يفعل من هزّات نفسية عميقة تأكل أعماقنا وتحملنا من اللحظة الراهنة لتعيدنا إلى زمن آخر كنّا نعيشه بحلوه ومرّه نتقاسم فيه شغب الحياة، وفرحها، وسعادتها، وغدرها، ومفاجآتها، لكننا بعفوية كنّا نتخطاها حينما تعلو ضحكاتنا تملأ الأمكنة سعادة تذيب كل ّما يعلق في القلوب من شوائب كنّا صغاراً عليها آنذاك، لكننا عشناها بكل ما فيها من تجليات وحكايات، وابتلاءات.
ما كنتُ أتصوّر وأنا أقدّم تعزيتي فيها أنني سألتقي كثيرات من صديقات العمر في تلك الخيمة التي جمعت الحزن تحت سقف واحد، فرحيلها أدمى قلوبنا، رحيل الصديقة والمعلمة الفاضلة عفراء النيادي هو رحيل لزمن وتفاصيل ومواقف كثيرة حلوة مرّت بنا، وتركت فينا ما لا ينسى من المشاعر، حينما يغيب المرء لا تذكر إلاّ جماله، أي شيءٍ عدا ذلك قد عبر لا يحضر عند الغياب، نحن الذين نحب ّ بصدق لا نقرأ إلاّ الجمال ولا توجعنا إلاّ تفاصيله.
كتبتُ من أصدقائي الراحلين كثير وها قلمي يَدمى وهو يكتب أختا غالية ليست على قلبي فقط وإنما على قلوب كل من يعرف عفراء وما فعلت مذ كانت طفلة طيّبة، لا أذكر أنّها آذت أحداً أو أساءت إليه، أذكرها ونحن مازلنا بعد صغيرات على كل شيء حولنا، براءة الطفولة وحدها، شقاوات الصغيرات، طوابير الصباح، طاولاتنا المدرسية، رحلاتنا المشتركة، لقمتنا الهانئة وتلك الوجبة التي كنّا نستلمها عند الفسحة الدراسية، هكذا كنّا بكل بساطة.
وعندما يأخذ الرحيل نبضة من نبضات قلوبنا كلّنا يتألم، يقسط شيءٌ ما من روحه سيعرف كم مّؤلم، وكم هو بشعٌ ألم الفقد، أسرٌ فقدت أحبةً، أمهات تكبّدن وجع الفراق، أبناء يعانون لوعة الغياب، وأصدقاء يبكون أصدقاء، هكذا تمضي بنا الحياة كم هي قاسية دروسها ومواقفها، وكم نحنُ في حاجةٍ إلى استيعاب الهزات العنيفة التي تهاجمنا كلّما حلّ غياب.
في مدرسة جبران درسٌ يقول كلما «رحل صديق مات جزء» بل ماتت أجزاء منّا، وتداعت جدران، وتنادت غصّات كثيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©