هناء الحمادي (أبوظبي)
يمتلك حمد هزاع الدرمكي رؤية واضحة، فهو شاب مثقف طموح، على الرغم من فقده السمع، لكنه لم يفقد تفاعله مع الحياة، ولم يعرف اليأس وما إنْ تجلس معه حتى تشعر بالأمل والتفاؤل، فكل محطة في مسيرته كانت درساً لكل من يريد أن يرتقي سلم النجاح، ويحوّل العقبات إلى دوافع للتميز. الدرمكي، الذي يعمل حالياً في مؤسسة زايد العليا في نادي العين لأصحاب الهمم، يرى أن الإعاقة لا تمثل عائقاً أمام طموحاته في الحياة، بل يصفها بتاج على رأسه، ومفتاح لتجاوز الصعاب.
بحب وإقبال على الحياة.. تعامل الدرمكي مع مشكلة السمع، التي كانت سبباً في قوة شخصيته، ومصدراً للثقة بالنفس، وحافزاً للعطاء والانطلاق من خلال لغة الإشارة الوصفية، التي تعتمد على تمثيل الكلمات والحروف الأبجدية على شكل حركات باليد والجسم وتعابير الوجه، حيث تُؤدى بيد واحدة أو بكلتا اليدين.
إنجازات
حمد صاحب رحلة كفاح طويلة، مليئة بالإنجازات والنجاحات، استطاع خلالها أن يصنع من الألم أملاً، فلم يعرف للمستحيل طريقاً، ولكنه سلك طريق النجاح، وعلى الرغم من ظروفه، فإنه يرى أن إعاقته أمر لا يضعف الهمة والعزيمة، بل يزيدها ويرفع من قيمة التحدي ويجعل للنجاح طعماً خاصاً في وجدان وقلوب المجتهدين.
تولى عدة مهام منها، منذ عام 2010 رئيساً لجمعية الإمارات للصم ثم نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، وهو حاصل على دبلوم في تقنية المعلومات من الولايات المتحدة الأميركية، ودرجة البكالوريوس في التربية الخاصة من جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، فمسيرة النجاح في حياة الدرمكي لم تكن محفوفة بالورد، بل بدأت قصته مع الصمم والتحدي في وقت مبكر جداً.
ويقول: «درست في مركز أبوظبي للرعاية والتأهيل، بعد ذلك توجهت للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، وقضيت هناك سنوات صعبة في تحصيل من العلم وللعودة إلى أرض الوطن محملاً بالخبرات اللازمة وشهادات التفوق».
جائزة أبوظبي
وأضاف: «فخور جداً بحالتي، وأحمد الله تعالى على كل شيء، فنحن فئة الصم لا نختلف عن الآخرين في شيء، سوى أننا نستخدم لغة الإشارة وهم يستخدمون اللغة المنطوقة المعتمدة على حاسة السمع.. وقد حققت الكثير من الإنجازات، منها تكوين «أول فريق كرة قدم من فئة الصم وضعاف السمع»، ليتم تدريبهم وتنمية قدراتهم، ومشاركتهم في بطولات محلية وإقليمية لتتغير مسيرة نحو 16 مواطناً من الأطفال والمراهقين، إلى حياة طبيعية، مثلهم مثل غيرهم من بقية أفراد المجتمع، وتتوّج هذه الجهود بالفوز بـ«جائزة أبوظبي السنوية عام 2006 والتي يمنحها المجلس التنفيذي لحكومة أبوظبي، وهي الجائزة التي رشحه لها أقرباؤه من دون علمه، وكان لها بالغ الأثر في مزيد من العمل من أجل الصُم داخل الدولة.
الدرمكي من أوائل المؤسسين لجمعية الإمارات للصم ، وعمل على تقديم عدد من المبادرات التي تخدم فئة الصم وضعاف السمع، كما مثل الدولة في مؤتمرات عالمية عدة، أهمها المؤتمر الدولي الـ 15 للصُم في الهند، الذي يعد أكبر تجمع دولي للصُم، والمؤتمر الدولي للإعاقة السمعية.
طموحات
عن الأماني والطموحات التي لا تتوقف في حياته، مهما كانت الصعوبات، يضيف: «أتمنى أن تصبح لغة «الإشارة»، مثل جميع اللغات الرسمية المنطوقة الأخرى، باعتبارها طريقة التواصل الوحيدة بين الصم وضعاف السمع مع بقية المجتمع، خصوصاً أن فئة الصُم ضمن الإعاقات القليلة التي لها خصوصية وتتطلب لغة معينة وعادات وثقافة مشتركة تسهل طريقة العيش، للتغلب على الصعوبات التي يواجهها أصحابها في جميع أنحاء العالم، كي يستطيع الأصم أن يتواصل مع الآخرين عبر طريقتين، إحداهما تتمثل بالطريقة الشفوية؛ أي قراءة حركة الشفاه، والأخرى لغة الإشارات التي أصبحت اليوم لغة عالمية يتحدث بها الصم والبكم في جميع أنحاء العالم، ويتواصلون من خلالها فيما بينهم أو مع غيرهم من الأسوياء، حيث ترجع أقدم المحاولات المعروفة لتنمية قدرات الاتصال لدى الصمّ إلى شخصين، هما رجل الدين الإسباني دوليون، ورجل الدين الفرنسي دولابي.
واجبات العمل والأسرة
حمد الدرمكي يحتفي خلال شهر رمضان مع الأهل، ويحرص على التجمع معهم على موائد الإفطار عبر أجواء عنوانها الرحمة والود والتقارب، لافتاً إلى تنوع المائدة الرمضانية بكل أصناف الطعام، خاصة الأكلات الشعبية، التي تظهر خلال الشهر الكريم، وسط التزام الجميع بالإجراءات الاحترازية والمحافظة على التباعد تجنباً للإصابة بالفيروسات.
وقال: «خلال تواجدي في المنزل أحرص على الموازنة بين واجبات العمل والأسرة وبين العبادات الواجبة والمستحبة، فرمضان فرصة لتنظيم حياة الفرد في كل شيء، لذا أكثف الطاعات، كما أحرص على ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي.
رسالتي
وجه حمد الدرمكي رسالة أمل وتحد وإرادة لأصحاب الهمم: «على أي شخص أن يؤمن بنفسه، فالأبواب الكبيرة تفتحها مفاتيح صغيرة، وعليه أن يفتح بابه نحو حياة ملؤها الأمل والعطاء، إيماناً بأن الإعاقة الحقيقية إعاقة العقل والأخلاق، ودعا إلى الإيمان بالمقولة التي تؤكد أنه إذا أردنا أن نزرع لعشر سنوات فلنزرع شجرة، ولمائة عام فلنصنع إنساناً».