الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الحدادة».. نبض الفرجان

راشد العنتلي يمارس مهنته بحب وإتقان (تصوير: صادق عبدالله)
2 ابريل 2022 01:49

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

عندما يتحدث راشد عبدالله أحمد الخديم العنتلي عن الحدادة التي كانت من الحرف الأساسية في الإمارات، فإنه يستدعي ذكريات اجتماعية وثقافية متأصلة في المجتمع، ومهنة ارتبطت بالذاكرة الجمعية، إذ إنها لطالما تطلبت الصبر وكشفت إرث الأجداد، ضمن أجواء تنقلنا إلى حياة الفرجان وصخب الأحاديث.

جسر تواصل
يعود راشد العنتلي عقوداً إلى الوراء في مشهدية ترسم ممارسات عاشها الأوّلون في يومياتهم، واستخدموها في حياتهم، حيث أتقنوا الحدادة لإظهار ما يمتلكون من مهارات شكّلت مصدر اعتزازهم وفخرهم بتراثهم وثقافتهم. 
ويلفت إلى أن مثل هذه الحِرف القديمة كانت تشكل جسر تواصل بين الناس وتحظى بإقبال كبير، لا سيما خلال الأفراح والمناسبات الدينية والوطنية، ضمن تفاعل اجتماعي وإنساني، يلهمنا لأهمية الدراسة التاريخية لعلاقة السكان بالبيئة المحلية واستثمارها في صناعة ما يحتاجون إليه، مع مراعاة قيمتها في العادات والتقاليد.

حرارة وخبرة
من اللافت، جلوس راشد في محل الحدادة بدبا الفجيرة، وراء معدات كاملة، حيث يروي بشغف قصة مهنة ورثها عن أجداده واتخذها وسيلة لكسب رزقه، مدفوعاً برغبة كبيرة في الحفاظ عليها كموروث عريق يحمل ملامح الماضي وتمتزج فيه الحرارة بالخبرة والقوة بالدقة. يصنع أدوات تُستخدم يومياً لإعداد الطعام والزراعة، بتحويل معادن غير معالجة إلى تحف فنية منقوشة، مستخدِماً مهارات تاريخية.

نوادٍ ثقافية
بحديثه عن تفاصيل مهنته التي يمارسها وكيف تبلورت بفعل مهارته، يورد العنتلي أن الحدادة كانت تمد جسور التواصل بين الناس في مختلف المناسبات، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك وخلال الأعياد ومواسم الزراعة والحصاد. ويوضح أن محال الحرف التراثية قديماً، كانت تشبه النوادي الثقافية حالياً، بحيث تجمع سكان المنطقة في أوقات مختلفة من النهار وتشهد نشاطاً كبيراً وحركة لا تنقطع، بما فيها الأحاديث ومناقشة شؤون الفريج. وقد يصادف أن يلتقي أكثر من شخص في محل الحدادة قبيل المناسبات التي يكثر فيها الطلب على السكاكين والأدوات المصنوعة من الحديد، وكذلك الخناجر المزينة بالنقوش، والتي عادة ما كان يزداد عليها الطلب في عيد الفطر، حيث تستعمل للزينة.

«المرعد» و«الكتارة»
أثناء شرحه التفصيلي، وهو يصهر بيديه أسلاك حديد على نارٍ متوهجة، يذكر أن هذه المهنة التي تعلمها هواية واتخذها فيما بعد مهنة يمارسها منذ سنوات طويلة. وقد تعلم منها الصبر وأكسبته القدرة على تشكيل العديد من الأدوات ببراعة قلّ نظيرها، متحدياً بها وسائل التكنولوجيا والآلات.
 ويوضح أنه لا يعترف بمنافسة الآلة، مبدياً استعداده للمقارنة بين ما يصنعه من أدوات مع ما يُصنع حديثاً عبر الماكينات، كصهر سيف «المرعد» اللين الطائع والقوي والذي لا يمكن كسره، بعكس المصنوع بالآلة. ويقول: أصنع سيوفاً ذات جودة عالية، منها سيف «الكتارة» على شكل هلال. 

سكاكين منقوشة
من الأدوات المفعمة بالجمال التي يصنعها العنتلي مطوِّعاً الحديد والنحاس وبقية المعادن، والسكاكين المنقوشة بمختلف أشكالها وأحجامها وأدوات تُستعمل في الزراعة، موضحاً أن هذه المهنة تتحدى المنافسة القوية في السوق. ويلفت إلى أن زبائنه من عشاق الجودة الذين يدعمونه ليحافظ على مهنة الأجداد من الاندثار.وعن استعمالات السيوف، يذكر أنها تُستعمل في الاستعراضات والزينة، بينما السكاكين تُستعمل لذبح الجِمال والأبقار، مشيراً إلى العديد من المنتجات التي وفرتها الحدادة من أدوات تُستخدم في الزراعة مثل المِحش والمناجل والمسحاة، وأخرى تمد صناعة السفن بالكثير من المواد المعدنية، مثل المسامير والمراسي المختلفة، وكذلك الأبواب والنوافذ والعديد من المستلزمات الأخرى.

فن الصَهر
«الحدادة»، من المهن الصعبة والدقيقة التي كان يمتهنها الآباء والأجداد، إلى جانب مهن أخرى توفر العديد من المستلزمات والأدوات التي تدخل في الحياة اليومية. وهي فن قائم بذاته، تعمل على صهر الحديد والنحاس والمعادن لتتشكل منها قطع للاستخدامات المنزلية وأدوات خاصة بممارسات كثيرة أخرى. 

أدوات
من أهم الأدوات التي انتشرت قديماً في محال الحدادة: السندان، المطرقة، الفأس الصغيرة، الكلّاب، المنشار، القالب، الشفك، المثقاب، المسن، البوطي، وقطع حديدية أخرى تُستخدم للنقش والزخرفة على أسطح النحاس والمعادن. ولتصنيع هذا كله، كان لا بد من وضعها داخل الماء لتبريد الحديد بعد تشكيلة.

إرث إنساني
يمتلك راشد العنتلي الشغف نفسه الذي تمتع به الأوّلون، بما فيه القدرة على التفاعل مع المواد. وهو من المخلصين الذين عشقوا مهنة تعكس مهارة الحرفي الإماراتي، وفخور بما يقدمه لتعزيز هذا الإرث الإنساني والحفاظ عليه، بحيث يحرص على المشاركة في المهرجانات والمعارض لنقل مهارات الحدادة إلى الأجيال والتعريف بها من خلال عمله في ورش حية أمام الزوار من مختلف الجنسيات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©