السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شيخة محمد الجابري تكتب: هل تذكر ملامحي؟

شيخة محمد الجابري تكتب: هل تذكر ملامحي؟
28 مارس 2022 01:37

الأيام تمر، تركض تارة، تتعثر أخرى، تتناوب بين شدّة ولين، حدةٍ وهدأة، ونحنُ ماضون معها، نتقارب، نتباعد، نشتاق فنلتقي، لقاءات مشوبة بالحذر وعدم الاطمئنان. كلّنا مقنّعون أحياناً نُسدل الكمامة، وأخرى ننزعها، نفتقد وجوهنا، تلك العلامات التي تميزها، غمازات، حبّة خال، وشمٌ ربانيٌ شفيف، ابتسامةٌ مميزة، نشتاق وجوهنا في الضوء، فهل تذكر وجهي؟
هل تذكرين وجهي قلتها لصديقة لم ألتقها منذ زمن «كورونا» الذي لا تزال بعض أشباحه تخيّم على العالم حتى اليوم، وجاوبتني بإجابة شفيفة تشبه أرواحنا نحن صديقات الزمن الأجمل، قالت وجوهنا انعكاس لأرواحنا الطّيبة لذا فإن ملامحها لا تغيب لارتباطها بالداخل العميق من المشاعر التي عاشت معنا منذ الصغر، وكبِرت دون أن تشوهها خصامات، أو منافع شخصية، أو عداءات.
صداقاتنا الأصيلة التي اتكأت على كتاب، وعلى حصة مدرسية، وطابور صباحي، ومعلمة نحبها أكثر من غيرها، تلك الروابط الإنسانية القابضة على قيم الوفاء، والتواصل، والتراحم، رغم تقلب الزمن وما يدور فيه من تحولات وأحداث غيّرت كل شيء، قلبت موازين القناعات الإنسانية، والاهتمامات البشرية، والقناعات الراسخة في النفوس، كأنما هذا التحول في كل شيء جاء ليخترق بعضنا ونجح فعلاً في ذلك.
نحنُ في وقت تباعدنا بشكلٍ مؤلم كانت قلوبنا الأقربُ للتواصل، التصقت مشاعرنا بأسرِنا، وبأصدقائنا ومن هم قريبون من أرواحنا ورغم قسوة الظروف إلا أن التواصل الإنساني الحقيقي البعيد جداً عن برود وسائل التواصل الحديثة، والقريب بدرجات عميقة من دواخلنا كان يطوّق قلوبنا بالفرح، لم نلتقِ وجهاً لوجه لكن دفء التواصل الروحي كان الأكثر عمقاً وصدقاً وثباتاً وحيوية.
لذا عندما نتساءل عن وجوهنا، وهل يذكر بعضنا ملامح من هم قريبون منه أم غيبت الكمامات بعض تفاصيلها بخاصة، وأن الوقت والزمن ليسا تحت تصرفنا؟ فإن التساؤل يبدو جميلاً فيه كميّة من الحنان والمشاعر الصادقة الطالعة من عمق الحب، فمن لا يذكر ملامحك لا يذكرك بالشكل المطلق، فملامحنا جزء من علاقتنا بكافة تغيراتها، صبيّة بقيت أم أرهقها الزمن وراحت نحو الكِبرِ دون أن نتنبّه لها.
اليوم يعيش بعضنا في عزلته التي اختارها بنفسه لكأن عزلة «كورونا» كانت فرصة حقيقية له ليبتعد عن العالم المحيط، ويعود ليتقوقع على نفسه رغم حاجته وحاجاتنا كلّنا في زمن الجفاف العاطفي، وطغيان المادة على المشاعر، والأنانية الفجّة إلى التواصل فنحنُ نحتاج إلى من يُربّت على ضلوعنا، وينتزعنا من ضجيج الأيام، وغياب الأحلام، من يأخذنا بعيداً عن صخب القلق، وطرق التواصل المحجوبة وراء كمامة، نحتاج لأن نتعرف على ملامحنا، لنتجاوز السؤال الأصعب: هل تذكر ملامحي؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©