لكبيرة التونسي (أبوظبي)
وسط حضور جماهيري لافت وضمن أجواء تحاكي ماضي الأجداد العريق، تتواصل فعاليات مهرجان التراث البحري، الذي يتألق على كورنيش أبوظبي «على البحر» إلى 27 مارس الجاري، موفراً لزواره فرصة الاستمتاع بفعالياته المتنوعة، ويدعوهم لخوض تجارب تفاعلية ممتعة والتعرف على ما تركه الأجداد من إرث بحري عريق عبر العديد من الورش التعليمية والمعارض الفنية والمسابقات، والفضاءات والأسواق، حيث يشكل الحدث إطلالة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وتشكّل ساحات المهرجان متحفاً حياً مفعماً بالألوان الفنية من خلال مشاهد تاريخية للحياة اليومية التي عاشها الأسلاف في عروض تضم ممثلين يرتدون أزياءً تقليدية، مع دعائم ترسم صورة حية للروايات والقصص المرتبطة بالبحر وما تخللتها من عادات وتقاليد وأفراح وتحديات، ضمن مكونات أساسية مثل السوق والصناع والتجار، وتميزت ساحته بأجواء احتفالية في الهواء الطلق وسط أصوات ومشاهد آسرة لعروض أداء واستعراضات فنية أضافت مشاعر إيجابية على الزوار الذين عاشوا أجواءً من زمن الأسلاف واطلعوا على أسلوب حياتهم. ونجح السوق الشعبي وما يعرضه من منتجات في إعادة إحياء الدور الذي كانت تقوم به في مختلف فرجان المدينة، حيث تجوب الأسواق القديمة وأزقتها الضيقة مروراً بمختلف الساحات، مما أضفى الحيوية والحماس على الفعاليات.
تجربة
عند التجول في أزقة السوق الشعبي المفتوح على البحر والمصمم بدقة كبيرة، يجد الزائر نفسه داخل تجربة مفعمة بالأحاسيس والمشاعر، حيث تختلط الروائح والنكهات وتتداخل الأصوات لتخاطب جميع الحواس، بينما تضفي روائح الدخون والبخور العابقة المكان نكهة خاصة على هذا الفضاء، ويجد الزائر نفسه أمام تجربة تسوّق أصيلة، حيث الحلويات والبهارات المصنوعة يدوياً، والمطرّزات والعسل ومختلف الأطباق التقليدية والألعاب ومواد التجميل والعطور، وأدوات كانت تستعمل في السابق كالراديو القديم، و«البشتختة» عناصر تعيد للأذهان صوراً من الماضي العريق وتفسر طريقة عيش الأولين في أجواء تكفلها البساطة والسعادة والتعاون والتراحم.
تراث عريق
فاطمة درويش المحيربي تعرض تشكيلة من العطور والبخور وأكسسوارات والعديد من المنتجات التقليدية، ضمن السوق الشعبي في المهرجان التراث البحري، موضحة أنها تتخصص في صنع «المخمرية» والعطور والبخور والعديد من المنتجات التراثية القديمة للتعريف بهذه المفردات، لافتة إلى أنه لا تكتفي بتقديمها للجمهور، بل تعمل على شرح تفاصيل صناعتها في عرض حي أمام الجمهور، مثل إعداد القهوة من تحميسها وتبريدها وصولاً إلى دقها في «الهاون» مع تقديم نبذة عن أنواع الدلات، وأشكالها وسنع تقديم القهوة للضيوف، وعن بعض العادات والتقاليد مثل مناسبة «حق الليلة» والألعاب التراثية، كيف تتم ممارستها، إلى جانب تنظيم بعض الورش التدريبية مثل صناعة برقع الطير، التي تحولها إلى ميدالية يمكن إهداؤها كتذكار، كما تتوفر على العديد من الخلطات التي تصنعها يدوياً، كخلطة شاي الكرك والبهارات وخلطة القهوة والزعفران والملابس وبرقع الصقر.
أصالة
تشكيلة من المنتجات تغني فضاء المهرجان وتتيح لزواره فرصة الاطلاع على جانب من الموروث الأصيل، حيث تتنوع المواد المعروضة التي تنافس أصحابها في وضعها في قالب يحاكي الزمن الأول، ومنها مشاركة ظبية الفلاسي التي أبدت سعادة بمشاركتها في المهرجان الأول من نوعه، لافتة إلى أنها تعرض كل ما يوحي إلى زمن أجدادنا، كالبهارات والبخور وخلطات الدخون التي تصنعها في بيتها.
كما تعرض الألعاب والحلي القديمة والمنسوجات، لافتة إلى أنها تسعى للحفاظ على التراث من خلال عرض منتجات تقليدية، وإدخال زخارف ونقوش على أدوات عصرية لتعريف الجيل الجديد بها وأشارت أن مشاركتها تتميز بعرض ملابس الأطفال التراثية وأدوات بحرية قديمة مصنوعة يدوياً، منها مواد كانت تستخدم في الغوص وفلق المحار والديين والقرقور وسواها.
مكونات الحياة القديمة
يعكس السوق وما يضم من منتجات، بعضاً من مكونات الحياة الإماراتية القديمة، من دكاكين قديمة تعرض منتجات تقليدية تمت صناعتها يدوياً لتحاكي الماضي العريق، والتي روعي فيها التنوع لتعرّف الزوار على أبرز وأهم الحرف التقليدية القديمة التي كانت تعمل بها الجدات والأمهات اللواتي أبدعن في صناعة منتجات يدوية بشكل متقن، وأورثنها للأجيال التالية جيلاً بعد جيل، يعرض أهم منتجاتها التي تجسد التراث الإماراتي، منها المشغولات اليدوية، ودلال القهوة، والأواني، والدخون، والعطور، والملابس التراثية، والبهارات، والقهوة الإماراتية، والأكسسوارات، والشيلة، والعباءة، بالإضافة إلى المنتجات الطبيعية والتمور وغيرها.. وتتزين الدكاكين بمجموعة كبيرة من المنتجات اليدوية التي تعزز عناصر التراث الإماراتي، مثل البرقع، والمداخن التي تفوح منها روائح جميلة، والحقائب الممزوجة بالخرز والخيوط المزركشة، ودلال القهوة والشاي التي تمت صناعتها ونقشها يدوياً بشكل يعكس الطابع التراثي.
العادات والتقاليد
لا تقتصر المشاركة في المهرجان على عرض منتجات تراثية، إنما تتحول الأروقة إلى معارض حية، تبرز من خلالها جانباً من مظاهر الحياة، إلى جانب إبراز العادات والتقاليد المتأصلة في المجتمع، ومنها التي ارتبطت بطقوس الزواج والأعراس، ففي رواق عائشة الكعبي المشاركة بمجموعة من الأقمشة والملابس التراثية والذهب القديم، تجد تشكيلة كبيرة من الذهب، حيث تعمل على إبراز هذا التراث في قالب جميل يحاكي حياة الأجداد، حيث تعرض أكسسوارات الذهب من مرية ومرتعشة وطبلة وحيل بوشوك التي تعمل على صناعتها بنفسها، إذ تجلب المادة الخام وتعكف على تركيبها بطريقة إبداعية، موضحة أن جميع هذه الأكسسوارات ترتديها النساء والبنات في مختلف المناسبات السعيدة والحفلات الشعبية والزيارات العائلية.