في مساءين مختلفين جمالاً ودهشةً، وثقافة ومعرفة، وذكريات وحكايات، وسوالف نديّة غابت عن الكثيرين في زمن التحولات السريعة، في المساءين الفاتنين استضافت مدينة العين وبتنظيم من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي أنشطة وفعاليات لأول مرة تنظم بعد غياب طويل عن المدينة الغالية التي تحتضن حضارة آلاف من السنين الضاربة في عمق التاريخ، العين المدينة المضياف والمصيف الذي تحنّ إليه القلوب، وتُحط الرحال عنده منذ قديم الزمن حيث الواحات الجميلة، والبساتين البديعة، وحيث روح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» تضفي عليها مهابةً وإجلالاً ومحبةً.
سرّني كثيراً أنني كنتُ ضيفةً في المناسبتين، الأولى «بيت القصيد» وفي الأمسية تحدثتُ عن عميدة الشاعرات في مدينة العين وهي السيدة موزة بنت جمعة المهيري، رحمها الله تعالى، وجئتُ على شيء من سيرتها وقرأت اليسير من أشعارها وهي الشاعرة المفتونة بالطبيعة وتجلياتها، والقيم والشجاعة ومحبة الناس، الأمر الذي ترجمته في أشعارها التي تناقلها الرواة وصارت شائعة في المجتمع.
أما الأمسية الثانية، فكانت «المرويّات» وفيها تحدثتُ بمعيّة الباحث السيد الحظ الكويتي، وهو أحد الكنوز البشرية في المدينة ورفيق البحث في التراث والإبحار في ميادينه المختلفة، والسيدة والصديقة الشّيف مريم السبوسي، وكان من محاسن الوقت والظرف أن أدرتُ الحوار وتشاركنا الغوص في الماضي بما حمله من عطر الذكريات، وسحر التفاصيل في المرويّات، وشهر رمضان الكريم والعادات والتقاليد المرتبطة به في المدينة الفاتنة.
هذه الفعاليات التي استضافها ليل العين وسماؤها المزدانة بضوء القمر المنير، وبين عبق التاريخ من متحف العين إلى قلعة الجاهلي في تحول في المكان وتحريك لبوصلة الزمن، التي طافت بالعين وبلداتها المُرتبطة في ذهنية الناس بما عاشوه من فرح وما تناقلوه من موروث، وما نقلوه للأجيال من طرق المعيشة القديمة، وعادات الزمن التي ما تزال أجمل الدلالات على تاريخية المدينة وأصالتها، وسخاء سكانها، ومن عاش بينهم في فترة لم يعرفوا فيها سوى أبجديات الحياة الأولى وسط ظروف معيشية قاسية تارة، ومعطاءة تارات أخرى.
في الحديث عن الماضي دوماً يسبقك الحنين فيأخذ بحرفك نحو ما يشاء، لا ما تشاء، من سحر القول، وفتنة الكلمات، فالماضي القريب الذي نتحدث عنه هو نحنُ ووطننا وهويتنا وأصالة وعراقة أرضنا الحبيبة، أود أن أتقدم بشكري الجزيل وعميق التقدير إلى فريق العمل الذي حرص على متابعة الفعاليات حتى نهايتها بقيادة ابن العين المخلص الفنان الشاب ياسر النيادي وفريق العمل معه من نساء ورجال، كل الشكر والتقدير لهم، وإلى مروياتٍ وبيت قصيدٍ قادمٍ ودائم بإذن الله.