أحمد عاطف (القاهرة)
لم يكشف المصريون القدماء عن جميع أسرارهم حتى الآن، ولكن عائلة صغيرة في إحدى ضواحي القاهرة فتحت خزينة أسرار الفراعنة، لتتوارثها أفراد العائلة مهنة تجسيد التماثيل الفرعونية لخمسة عقود متتالية.
يعمل إسلام أحمد وشقيقه في ورشة والدهما الذي احترف صناعة المستنسخات من تماثيل الحضارة المصرية القديمة لأكثر من 50 عاماً، وتتهافت البازارات الكبرى في محافظتي القاهرة والجيزة على اقتناء منتجاتهم نظراً لشدة تشابهها مع التماثيل الأصلية.
يقول إسلام: إنه كلما أراد صناعة تمثال جديد يطلع على تفاصيله الأصلية، حتى تخرج نسخته طبق الأصل، ولكن في كل مرة يزداد انبهاره بعبقرية أجداده، ودقة صناعتهم، واحترافهم فلا يمكن للأحفاد أن يصلوا لهذه الدرجة من الإتقان مهما بلغوا من العلم.
يتعجب كل من يرى التماثيل في ورشة الشقيقين من شدة تشابهها مع التماثيل الأصلية، ولكنهما يحرصان على عدم التطابق الكامل، حتى لا تستخدم تماثيلهما في عمليات البيع خارج مصر، ولهذا يضطران إلى رسم نقوش مختلفة على التماثيل تخالف تلك النقوش الأصلية باللغة الهيروغليفية.
«نعتمد على الألوان ذاتها التي اعتاد الصانع المصري القديم استخدامها في تماثيله، وأهمها الذهبي والأسود، والأزرق والأحمر»، هذه الألوان هي المعبرة عن الحضارة المصرية القديمة، وهي المستخدمة في المقابر والمعابد منذ آلاف السنين، ولهذا يحاول الأحفاد تقليد الأجداد حتى في استخدام الألوان.
يضيف: «لا بد لصناع المستنسخات أن يكونوا من محبي الحضارة المصرية القديمة، والمطلعين على تاريخها العظيم، حتى يتمكنوا من تقديم منتجات تليق بهذه الحضارة، وفي كل مرة أصنع تمثالاً وأتعرف على تاريخه، يزداد احترامي وإعجابي بأجدادي المصريين القدماء».
تتراوح أحجام المستنسخات التي تخرج من ورشة إسلام وشقيقه بين الصغيرة التي لا يتجاوز طولها 20 سم، وبين العملاقة التي تتخطى المترين، وكل زبائنهم يعرفون أنه مهما بلغت صعوبة التمثال الذي يطلبون استنساخه سيحصلون على نتيجة مرضية مهما بلغ حجم التمثال وطوله.
أما أكثر ما يطلب منه سواء للمصريين أو الأجانب العاشقين للحضارة المصرية، هو تمثال توت عنخ آمون وجمع مقتنيات مقبرته المكتشفة في القرن العشرين، وأهمها القناع الذهبي، الذي لم يصل العلماء إلى سره حتى الآن، وكيف نجح الصانع المصري الماهر في صناعته بهذه الدقة رغم عدم وجود أدوات تمكنه من ذلك قبل آلاف السنين.
لا تجد الحكومة المصرية أفضل من ورش الأشقاء محبي الحضارة المصرية القديمة للمشاركة في المحافل الرسمية للبلاد، فقدما بعض الأعمال في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة عام 2015، لينبهر الجميع من صناعتهما وشدة تطابقها مع التماثيل الأصلية.
ورغم هذا الإعجاب لا ينفك الشقيقان يواجهان بعض العقبات والانتقادات التي تطال عملهما، وفي كل مرة يجيبان:
«نحن نجسد الحضارة المصرية القديمة، نحن أحفاد المصريين القدماء ونحب حضارتهم».