علي عبد الرحمن (القاهرة)
سطر الموسيقار الكبير محمد الموجي اسمه بأحرف من ذهب في سماء الفن، أبى أن تكون ألحانه مرهونة بزمان أو تحكمها حقبة معينة تتلاشى بمرور السنين والأيام، فغير في شكل وقالب الأغنية، واعتمد على مزج الآلات الوترية بالجيتار الإلكتروني، صنع سيمفونيات خالدة تزداد بريقاً وتألقاً كلما تقادم بها الزمن، برصيد بلغ أكثر من 1500 لحن.
الموجي «4 مارس 1923 - 1 يوليو 1995»، أبرز المجددين في الموسيقى والغناء بعد ثورة 1952، يملك الجملة الشرقية الرصينة التي تنفذ إلى القلوب مباشرة، والنغمة الساحرة الزاخرة بالأصالة، لم يحصر نغمته في لون غنائي معين، يستطيع أن ينتقل من كرنفالات الفرح الصاخبة إلى همسات الحب الساكنة، فألحانه مزيج يصل بك لدرجة النشوة والسلطنة.
شغف بالموسيقى منذ نعومة أظفاره، فوالده كان عازفاً على الكمان والعود، مما جعل الموجي يتقن عزف العود مبكراً في الثامنة من العمر، وحصل على دبلوم الزراعة العام 1944، ثم اتجه إلى القاهرة، ليلتحق بمعهد الموسيقى، ويحقق حلمه في الغناء، إلا أن لجنة الموسيقى في الإذاعة اختارته ملحناً ورفضته مطرباً، وعمل في عدة وظائف، ولكنه تركها، ليكمل مشواره الفني بالعزف على العود في فرقة «صفية حلمي»، ثم فرقة «بديعة مصابني»، ثم اتجه إلى التلحين في العام 1951 عبر الإذاعة.
القمة
وصفه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بأنه ملحن «السيمترية»، وقال: «إن ألحانه إما أن تكون ذات قيمة أو لا شيء على الإطلاق فهو لا يملك لحناً وسطاً، إلا أن أكثر ألحانه هي التي تنتمي إلى القمة».
صانع النجوم
كان من أراد أن يصعد سلم المجد والشهرة، لا بد أن يستهل مشواره الغنائي بألحان الموسيقار الموجي، الذي ساهم في صناعة نجومية كبار رموز الغناء في مصر والعالم العربي، بعدما قدّم اللحن الذي يتوافق مع طبقات أصواتهم، منهم الفنانة وردة الجزائرية التي تعاون معها في أغاني «يا قلبي يا عصفور»، و«أمل الليالي» كلمات علي مهدي وغنتها وردة في فيلم أميرة العرب، وبعدها تواصلت اللقاءات والأعمال مثل أغنية «أكدب عليك».
وكان للفنانة شادية نصيب من ألحانه في «شباكنا ستايره حرير»، و«بوست القمر»، و«قالي الوداع»، و«غاب القمر يا ابن عمي»، و«أصالحك بإيه»، وكتب شهادة ميلاد محرم فؤاد، في أغنية «رمش عينه»، وعزيزة جلال في «هو الحب لعبة»، وعفاف راضي في «يهديك يرضيك»، وميادة الحناوي في «جبت قلب منين»، يا غائباً لا يغيب وأسمع عتابي، وأغنية زي الربيع.
وغير خط اللحن الكلاسيكي الذي اشتهر به، مع الفنان محمد قنديل في أغنية «منديل الحلو»، ولحن للفنان كمال حسني أغنية «غالي عليّ»، وتعاون مع الفنان الكبير طلال مداح في «ضايع في المحبة»، و«لي طلب»، وقدم الفنان ماهر العطار، للجمهور، بعدما غنى من ألحانه بلغوه، داب داب، دوبوني الغمزتين، وقدم للشحرورة صباح ثلاث أغانٍ هي «الحلو ليه تقلان أوي»، و«الدوامة»، و«زي العسل».
لم يقف تعاون الموجي مع كبار الفنانين، بل كان يحب العمل مع الشباب، فهو أول من استقبل موهبة الفنانة سميرة سعيد، بعدما آمن بموهبتها، ولحن لها أغنيات مثل: أنا ليك، شط الحبايب، يا دمعتي هدي، عيد الندى، ملك السلام، مغربية عربية، كما قدم الفنانين علي الحجار وهاني شاكر.
وكان الموجي كلمة السر في نجاح عدد كبير من المطربين منهم، محمد رشدي الذي بدأ مشواره معه بأغنيه «بالعين دي حبة»، ووضع الفنانة نجاح سلام على أول طريق النجاح، عندما لحنّ لها رائعتها «يا أحلي اسم في الوجود»، هذه الأنشودة الخالدة التي عبر فيها عن حبه الكبير لمصر، وكذلك العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذي لم يكن يعرف أحد شيئا عنه إلا بعدما غنى بلحنه «صافيني مرة».
قصائد نزار
أعجب عبد الحليم حافظ بقصيدة «قارئة الفنجان» لنزار قباني، وقرر غناءها، وطلب من «الموجي» تلحينها، وقدم لبعض المقاطع أكثر من لحن وبمقامات موسيقية مختلفة لكي يختار عبد الحليم منها، فما كان منه إلا أن اختارها كلَّها، فالتدفق اللحني جعلها واحدة من الأغنيات الخالدة، ومن أفضل ما قدّم من ألحان، وقال: إنه لم يقدم بعدها أغنية في مستواها.
وبرع أيضاً في تلحين «رسالة من تحت الماء» وكانت دلالة على عظمة هذا الملحن الكبير، فبعدما توترت علاقته بالعندليب، وانفرد كل منهما بنشاطاته الفنية، وأثناء وجود عبد الحليم في المغرب للمشاركة في الاحتفال السنوي، تقابل مع الموجي، وعازف الكمان أحمد الحفناوي، وأعضاء الفرقة الماسية، ومجدي العمروسي ونخبة من الشعراء والكتاب، وتم الصلح بينهما ولحنّها له.
مع كوكب الشرق
تميز الموجي بنمط موسيقي شديد الخصوصية، ومثلما أبدع في الكلاسيكي تألق أيضاً في الشعبي، فهو أول من تعاونت معه كوكب الشرق «أم كلثوم» من شباب الملحنين، واختارته تحديداً في الوقت الذي كان يتسابق للعمل معها قمم النغم، فقدّم لها «للصبر حدود» العام 1963، و«اسأل روحك» العام 1970، وكلتاهما تأليف عبد الوهاب محمد، و«حانة الأقدار»، و«أوقدوا الشموس» تأليف طاهر أبو فاشا، و«يا صوت بلدنا»، و«يا سلام ع الأمة»، تأليف عبد الفتاح مصطفى، و«أنشودة الجلاء» لأحمد رامي، و«محلاك يا مصري» لصلاح جاهين.
إبداعات خالدة
لم تقتصر إبداعات الراحل محمد الموجي، على الأغاني، فلحن عدداً من أغاني الأفلام، وصنع الموسيقى التصويرية لعدد آخر، منها: «الراقصة والطبال»، و«العصابة»، وقدم موسيقى البرنامج الشهير «أحداث 24 ساعة»، الذي كان يُذاع على القناة الثانية المصرية، بجانب العديد من الألحان والاسكتشات الغنائية والفوازير، فلحن لشريهان سلسلة فوازير «ألف ليلة وليلة»، واسكتش «الراجل ده هيجنني» لصباح وفؤاد المهندس، وله بصمته في عدد من المسلسلات التليفزيونية ومنها: «الكعبة المشرفة، ابن الليل»، وشاركت ألحانه في عدد من المسرحيات منها: الخديوي، طبيخ الملايكة، ممنوع يا كراون، ودنيا البيانولا.
العائلة
تزوج الموجي ثماني مرات، الأولى فهيمة وكان يحب أن يطلق عليها «أم أمين» ويعتبرها تميمة حظه التي بدأت معه مشوار الكفاح، ثم المطربة سميرة فتحي، والمطربة أحلام ولحن لها 10 أغنيات وكان لها منه ابنة توفيت رضيعة، وتزوج سعاد مكاوي ولحن لها أغنيتين، وأميرة سالم وعايدة كامل، وله ستة من الأولاد والبنات. ولم يترك الموجي إرثاً فنياً فحسب، وإنما ترك جينات تنتقل من جيل إلى جيل، ليبقى اسم «الموجي» حاضراً في وجدان الجمهور، فأفراد العائلة ممن يحملون اللقب يصدحون ويبدعون في كل مكان، خاصة داخل دار الأوبرا المصرية، منهم الملحن والمايسترو والموزع والمعلم، وأبهر أصغر أحفاده «أحمد الموجي» العالم، عندما شارك الموسيقار الكبير نادر عباسي في تأليف موسيقى حفل طريق الكباش بالأقصر، وكأن الفن الذي ابدعه بأوتار عوده يتجدد على أيدي أبنائه وأحفاده.