ساسي جبيل (تونس)
تُعتبر مدينة باجة التونسية من المدن القليلة التي تجمع بين عبق التاريخ ورونق الحاضر وتنوع صفات البهاء، حيث تقع في إقليم الشمال الغربي للبلاد، الغنيّ بثرواته الطبيعية وبتربته السوداء المدرّة للخيرات الزراعية الوفيرة والأراضي الخصبة في مختلف الفصول. وسُمِّيت في العهد الروماني بفضل مناخها الطبيعي ونشاطها الزراعي، بـ «مطمور روما»، أي المكان الذي تضمن فيه مؤونتها.
تاريخ وخضرة
تبعد المدينة عن العاصمة تونس، حوالي 105 كيلومترات، وكانت تسمى «فاكا» VAGA من قبل الرومان، وتعني البقرة الحلوب، وتموّجات سنابل القمح في الحقول عند هبوب النسيم. ويعتقد مؤرخون أن هذا الاسم هو تحريف للاسم الحقيقي للمدينة، «فاكا» في الزمن اللوبي أو الفينيقي، قبل أن تتخذ المدينة في زمن الفتح الإسلامي اسمها الحالي «باجة» لتيسير عملية النطق، وعرّفها العرب بـ «باجة القمح» أو «باجة القيروان» أو «باجة أفريقية» تمييزاً لها عن مناطق أخرى.
وكانت باجة من أهم المراكز في العهد اللوبي وقرية فلاحية مزدهرة إبّان العهد القرطاجي، حيث عرفت تطوراً عمرانياً في عهد «ماسينيسا» لمّا أصبح يدير شؤونها «مجلس أعيان»، ثم بلغت درجة كبيرة من المجد والأهمية في عصر يوغرطة الذي جعل منها أحد مراكز إقامته وأهم سوق للقمح يؤمها التجار من مختلف أرجاء المملكة ومن خارجها، باعتبارها أكثر مناطق البلاد خضرة. وتقع في مناطق جبلية مغطاة بالأشجار الكثيفة وفيها سهول زراعية شاسعة تتميز بالخصوبة، وأودية جارية، ما جعل أحد المؤرخين وهو حفيد حوقل يقول عنها في آخر القرن العاشر: إنها صحيحة الهواء، كثيرة الرخاء، واسعة الفضاء، غزيرة الدخل على السلطان، وافرة الأرباح على تجّارها والمزارعين.
أبواب
مدينة باجة هي عاصمة الشمال الغربي التونسي، منفتحة على البحر المتوسط شمالاً، ويغلب عليها الطابع الريفي على الرغم من توسّع عمرانها حول المدينة العتيقة التي تعدّ موطناً للمساجد، بما فيها المسجد الكبير ومسجد الباي. وتتمتع باجة بعدة أسواق تمثل شبكة من الشوارع الضيقة التي يصطف على جانبيها التجار والحرفيون وبائعو الخضراوات والفواكه والأسماك والجزارون وصناع الأجبان التقليدية، فيما يتمركز تجار الأقمشة والعطور، والتوابل وباعة الكتب والصوف بالقرب من المسجد الكبير. وقد بناه الفاطميون عام 944 م على بقايا كنيسة، وخضع للترميم عام 1922م، وهو من أقدم معالم باجة.
كانت المدينة عبارة عن قاعدة عسكرية، تحفظها أبواب تغلق ليلاً، ولا تزال حتى اليوم، مثل «توحا»، «عين الشمس»، «الجنائز»، «الرحبة»، «السبعة»، «خنانو»، و«الخالا».
وتضم مدينة باجة حالياً العديد من الأماكن الرائعة التي تستحق الزيارة للاستمتاع بطبيعتها الجميلة وتذوق المأكولات التقليدية، ومنها «الكامونية»، «الرشتة بالعصبان»، «لحم الإكليل»، «الفتات»، «المخارق» و«الزلابية».