السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شيخة محمد الجابري تكتب: ترنيمة الفصول

شيخة محمد الجابري تكتب: ترنيمة الفصول
7 مارس 2022 01:01

والشتاء يحزم حقائبه، ويلملم حطب البرد، وشعث الصحراء السعيدة، والليل يودّع نجومه اللامعة، و«بنات نشع» ينعشن في السماء في عقد فريد من الضوء يُلهب مشاعر الشعراء، ويضع الحلمَ على ناصية الانتظار، وحيث الطبيعة تُبعثرُ أوراقها، والخريف يتسللُ رغم احتياج الربيع إلى التّجلّي، تبدو الفصول في حيرة الانبعاث، ودهشة الاستعداد للذهاب نحو الجديد من التقلبات، والفريد من نفّات المطر الهاربة من ضوضاء الفصول.
والحال هذا، تبدو فصول الحياة متقلبةُ كتقلب الأمزجة والأهواء، متداعيةٌ كتداعي الجدران العتيقة التي أنهكها التاريخ، وضيّعها الزمان، في حالات عديدة من الشغف النابت من ضلع اللحظة، واحتياجات الإنسان لكثيرٍ من الهدوء والسكينة في زمن الهدر العاطفي، والتحول نحو المادة بعيداً عن العواطف والمشاعر الإنسانية اللطيفة، تلك المرتبطة بالقيم، والحب، والسلام، والأمان النفسي الذي اقتطعته الحالة الراهنة، وشتّتتهُ العلاقات العابرة الجديدة.
ترنيمة الفصول عزفٌ فريد على آلة زمنيةٍ تختلط فيها الأوقات والأشكال والأجواء، فالخريف يشاكس الربيع، والصيف يبرز كل عنفوانه وقوته ورعونة الحرارة التي تضرب في عمق الأرض لتفورَ في وجوهنا صهداً كثيفاً يذهب باللحظات الحلوة نحو عطاء الطبيعة، في ارتباكات النخيل، وارتعاشات الزّهر من وجدِ المسافات المزهوّة باليَباس، وتموجات أشجار «الهامبا» وحبّاتها الذهبية المنتعشة ارتواء واحتفاء، هو ليس دفئاً إنما مواقد من اللهيب، تعيد اللحظات إلى سيرتها الأولى، وكأن الشتاء لم يعبُر، وكأن الربيع خاصم الأجواء نحو مزيدٍ من سخونة الأرض الغاضبة.
تشبه هذه الترنيمات ما يختلج في الأرواح من تحولات وتقلبات يذهب فيها الصيف بالشتاء، والخريف بالربيع، لكأنما القبح حينما يذهب بالجمال تحت مشترط الأطباء، وعمليات التجميل التي شوّهت الإنسان من الداخل، وأُطلقت للمظاهر يدٌ أطول بكثير مما نعرف وما لا نعرف، أو كأنما العلاقات الإنسانية التي عصفت بها أنواء المدارات المتطورة، ووسائل تواصل شوّهت العمق الإنساني الجميل، والعذب ذاك الذي تشعره يصطفق في ضلوعك ذات شوقٍ أو حنين.
إنها الفصول عندما تتقلب، وحينما تقول كلمتها، فاردةً أجنحة التغيير، سادرةً ستائر التحول على كل شيء جميلٍ من حولنا، وفي أعماقنا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©