السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شيخة محمد الجابري تكتب: الذائقة وذاكرة الزمن

شيخة محمد الجابري تكتب: الذائقة وذاكرة الزمن
21 فبراير 2022 02:22

عندما أستمع إلى السيدة أم كلثوم، رحمها الله، وهي تشدو برائعة أمير الشعراء  أحمد شوقي «سلوا قلبي» 1964 أطير معها إلى عوالم من فتنة الشعر، وسحر اللون، وعظمة الصوت، وكلما تمايلت بمنديلها الآسر مال القلب معها حسَاً وشعوراً، وراح يموج في بحر من المتعة والشجو اللطيف الذي يحملك من عالمك إلى آخر من الشعور الجُواني الذي يخصك فيتسلل إلى روحك وهي تصدح: وكنتُ إذا سألت القلب يوماً/ تولّى الدمع عن قلبي الجوابا.. «لتقفز منتشياً.. الله الله، عظمة على عظمة يا ست»
وهكذا تسير بك الذائقة نحو البحث عن الجمال في روحك ومن حولك فلا تقبل الأذن إلاّ ما يضيف إليها جمالاً وفتنة، تغسل بها مسامعك وتنقّيها من شوائب هذا الزمن الفنية، وما تقذفك به شركات الإنتاج من أعمالٍ الهدف الربحي منها يلغي قيمتها الفنية والأدبية، فيما مضى من زمن كنّا لا نسمع كثيراً عن أغنيات الأفلام والملاهي الليلية، أما في زمننا هذا فقد باتت هذه الأغاني أسرع انتشاراً من أجمل صوت يمكن أن تسمعه ويستفز إعجابك.
في زمننا هذا لا يقبل الشباب الاستماع أو قراءة الرسالة الداخلية الضمنية لبيت أمير الشعراء الذي قالته أم كلثوم في جملة لحنية وشعورية لا يعزفها ولا يتسلطن فيها سواها حينما تقف وقفة لازمةً في عُرف سيد الغناء العربي وهي تشدو: «ولا ينبيكَ عن خُلق الليالي/ كمن فقدَ الأحبة والصّحابا».. لله ما أبدعه من قولٍ يستدعي في روحك كل ما توارى بداخلها من مشاعر حاولتَ جاهداً كتمانها، غير أنّ دمع القلب تفضحهُ العيون.
كلما ذهبت إلى ذاك العالم الفنّي النّقي تناهى إلى عقلي سؤال حول وضع الأغنية العربية اليوم، وجمهورها الذي أصبح بعضه لا يفرق بين الزعيق والنّعيق، كي لا أقول: النهيق، فصار كل من تراقص وارتدى أغرب الملابس، واستدعى كل قواهُ الصوتية لتعينه على الصراخ وهو يؤدي ما يؤديه من غثاء فني مغنياً وراقصاً، ومرحبُّ به في وضعٍ بائسٍ ينبئُ عن تغيّر غريب، وتدنٍ قوي في الذائقة الفنية ومستقبليها كذلك.
ما تحمله الأغنية من مضامين مهم جداً في إشباع الذائقة الثقافية والفنية لدى المهتمين بالبحث عن جديد الكلمة والنغم والأداء كذلك، في بعض القصائد جمالٌ لغويٌ أخّاذ، غير أن أغلب ما يصلنا اليوم من إنتاج فني مرهقٌ للسمع وللبصر، والمشكلة أن من يُشجع على انتشار مثل هذا الفن الهابط جهات لم نتوقع أن تصل إلى هذا المستوى من الفشل في الاختيار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©