تحمل وكالات الأنباء أخباراً وصوراً عن حالة الطقس حول العالم، حيث تشهد معظم الدول موجة برد عارمة، هناك مدن غرقت في جبال من الثلوج حتى غدا التحرك بين مساحاتها شديد الصعوبة، بل يكاد يكون مستحيلاً في بعض المناطق، ولم تسلم الجزيرة العربية والخليج العربي من الموجة الباردة التي تلف المدن والسواحل والصحراء، وصار مألوفاً جداً مشاهدة صور لقافلة من الجمال، وهي تسير في الصحراء بين رمل وثلج، في مشاهد تحبس الأنفاس لجمالها، وحالة الدهشة التي تبعثها فيك.
ويصير للفرح أسراب من سنونوات، وبساتين من أزهار، وعناقيد من آمال وحنين واشتياق فالشتاء يفعل ما يفعل في القلوب حيث يحرك الساكن، ويزعزع الثابت من المشاعر ويقفز بك من حال ٍ إلى حال بخاصة إن صاحَب كل ذلك زخّات من المطر تعيش معها حالات من الألم ربما كلما عنّ عليك طيفٌ فقدته، أو مرّت بخاطرك ذكرى لصديق أو حبيب أو قريب لم يعد بينك وبينه سوى البعد، والهجر، والنكران، والعتب القاسي ربما، للشتاء معولٌ يحرث روحك من الداخل كلّما جاش خاطرك بما غاب عنه، أو غيّبه ذاتياً رحمة بنفسه، وبالأيام الحلوة التي راحت ولم تعد.
وحدهم الذين يسكنون المخيمات يأكلهم البرد، وتقضي على ذكرياتهم حالات العجز والعوز، والحاجة الملحة لشيء من الدفء يأتيهم في طرد، أو على جناح حافلة عابرة تعج بالمساعدات من هنا، وهناك، البرد لا يرحم الفقراء حينما يُلهب عظامهم الغضّة بسياطه شديدة الوقع والأثر، صور كثيرة تعبر أمامنا لأطفال في مخيمات اللاجئين يغصون بالألم، ويخوضون في مساحات من البياض تغطّي قاماتهم القصيرة، وتعذّبهم بنسمات تصب عليهم نُدف الثلج صبّاً يعجزون عن الاختباء منه، حيث لا مأوى، فالخيمة غرقت، ولا سقف فالخيام لا سقف لها سوى الريح.
صورٌ كثيرة تأتينا عبر الوسائط كافة، منها ما يبعثه المرفّهون الذين يُصوّرون للناس أنهم يساعدون المحتاجين، وما هم إلاّ مرائيين ومتبجحين باستعراض عجز الذين شتتهم أوطانهم، والعابثين بها، واللاعبين في ملاعب كثيرة لا تعترف بالإنسان، ولا تحترم كينونته التي باتت عرضةً لبعض المنتفعين من وراء إعلان أو الراكضين خلف جمع الأموال الطائلة تحت ادعاء ٍ يسمى جمع التبرعات.
ما يحدث حول العالم من مآسٍ ضحاياها اللاجئون والمشردين في بقاع شتى من هذا العالم الذي يضج بمن لا يرحم، وبين مشتاق لحبيب، وضائع في صحراء التيه، يأتي الشتاء على صور مختلفة، وحده الفقير يئن تحت وطأة كل الظلمات فيه.