نيويورك (الاتحاد)
بصورة أو بأخرى، صار عملاق الإعلام الجديد «فيسبوك» في وضع ربما يشبه، الاتحاد السوفييتي (الراحل) أثناء الحرب الباردة. فواحد وراء الآخر من نجوم وقيادات أيقونة التواصل الاجتماعي الشهيرة، يقفزون من فوق أسوار الشبكة الضخمة هرباً من المعسكر العنكبوتي. ومع كل عملية هروب - استقالة، يكشف المغادرون - المنشقون أسراراً جديدة، ويقولون إنهم كانوا يعملون في أجواء، قد لا تتوافق بالضرورة مع حرية تدفق المعلومات التي تعد أحد الأسس التي قامت عليها الشبكة.
براندون سيلفرمان آخر الفارين. ولمن لا يعرفه، فهو أحد نجوم ما يعرف بمشروعات الـ START - UP ، الذين باعوا مبتكراتهم التقنية المتطورة إلى فيسبوك، وقبلوا بالانضمام للقبيلة الرقمية والانضواء تحت لواء مارك زوكربرج في 2016.
كان سيلفرمان قد حقق نجاحاً كبيراً بمشروعه المبتكر المعروف باسم كراود تانجيل، وهو تقنية متطورة تغوص في أعماق المنشورات الهائلة على فيسبوك، لترصد أهم ما هو متداول ومنتشر بين رواد الشبكة، ثم قرر أن يرحل في أكتوبر الماضي، بعدما لقى معاملة سيئة من جانب رؤسائه، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». وهو الآن يقوم بحملة واسعة النطاق لإجبار مؤسسات مثل فيسبوك على فتح ما يسميه صناديقهم السوداء أمام الجميع.
يقول سيلفرمان إن قراره بالرحيل عن فيسبوك لم يكن سهلاً، لكنه كان حتمياً فيما يبدو. فوجوده لم يعد مرحباً به بين رؤسائه، خاصة أن مشروعه الذي استحوذت عليه فيسبوك، كان يقوم برصد وتتبع المحتوى الذي يثير الاهتمام على منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة. فقد تيقن رؤساؤه من أن المشروع يكشف بصورة خطيرة عما يحدث فعلياً داخل فيسبوك وكيف ينخرط المستخدمون في حملات سياسية يمينية مسعورة، ونشر معلومات صحية مضللة، ويفضح بالطبع عجز عملاق التكنولوجيا أو تقاعسه، عن القيام بما يلزم لوقف تلك الظواهر السلبية.
الآن يركز سيلفرمان جهوده للضغط على فيسبوك بالتنسيق مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي لوضع تشريعات تجبر منصات التواصل الاجتماعي الكبرى على الالتزام بقدر أعلى من الشفافية.
ويقول: إن ما يجري الآن بالتحديد هو أن مؤسسات خاصة محدودة تتحكم في تدفق كمية هائلة من الأخبار العالمية، ويحدث ذلك عبر صناديق سوداء لا أحد يعرف عنها شيئاً. ويضيف: إن إجبار منصات التواصل الاجتماعي على التزام الشفافية مفيد للمجتمع وللإعلام، كما أنه يدعم سعيها للوصول إلى الأهداف التي قامت أساساً من أجلها، فيما يتعلق بحرية تداول المعلومات والأفكار من دون تحيزات مسبقة أو هيمنة أو تلاعب وتضليل قد تؤدي مستقبلاً إلى خلل عميق يقوض الديمقراطية حتى في دول بحجم الولايات المتحدة.