أحمد مراد (القاهرة)
على الساحل الجنوبي للخليج الفنلندي، وعلى بعد 18 ميلاً من مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، يمتد قصر «بيتر هوف» ومجموعة الحدائق والمتنزهات المحيطة به على مساحة 1500 فدان، ويُعد إحدى معجزات الإبداع الهندسي، وأبرز المعالم السياحية الرئيسة في روسيا، وأكثر المجمعات الهندسية جمالاً وفخامة في القارة الأوروبية.
300 عام
قبل ما يقارب 300 عام من الآن، جاءت فكرة إنشاء قصر «بيتر هوف» خلال عهد الإمبراطور الروسي، بطرس الأكبر، المعروف بـ «بيتر العظيم»، الذي تولى حكم روسيا في الفترة بين عامي 1672 و1725، وقد أراد الإمبراطور الروسي بناء قصر فخم في منطقة الريف، وفي عام 1714 بدأ التخطيط لبناء القصر العملاق، ووضع تصميمه المهندس المعماري الفرنسي، ألكسندر جان باتيست لي بلوند، واستمرت أعمال البناء على مدى 9 سنوات متواصلة، حتى اُفتتح رسمياً مع نهاية صيف العام 1723، وسُمي بـ «بيتر هوف»، وهي كلمة هولندية تعني «قصر بطرس» نسبة إلى القيصر الروسي، بطرس الأكبر.
ونُفذ مشروع القصر وفق المخطط له بشكل كامل، بما في ذلك الحديقة الجنوبية، والقناة البحرية، وعدد من القصور الداخلية التي زُينت في سنوات لاحقة بكساء من المرمر الفاخر. كما زُينت شوارع المنطقة المحيطة بالقصر بالعديد من المتنزهات، والحدائق العامة، والشلالات الصناعية، والكهوف، وذلك بأعلى مستوى من الروعة والجمال والفخامة.
170 نافورة
يبلغ طول واجهة قصر «بيتر هوف» المقابلة للبحر 268 متراً، وتحيط به العديد من الشلالات والكهوف والحدائق التي تتميز بنافورات المياه التي يبلغ عددها 170 نافورة، وتتخذ هذه النوافير أشكالاً هندسية رائعة وساحرة، ويطغى عليها لون الذهب، الأمر الذي يجعلها من معجزات الإبداع الهندسي، وعاصمة النافورات في العالم.
يضاف إلى ذلك، البرك المائية التي تتباين في أشكالها، والمزينة بتماثيل مطلية بالذهب، الأمر الذي يُضفي على القصر رونقاً من الفخامة والعظمة وسحراً من الجمال والبهاء، وأهم هذه البرك تُعرف بـ «الشلال الكبير» الذي صممه الإمبراطور بطرس بنفسه. وتبلغ المسافة بين القصر والشاطئ نحو 330 ياردة في العرض، وهذه المساحة مستغلة كمتنزه، وتحتوي الطرق المحيطة بالقناة المائية على أشجار صنوبر رائعة، وبنها تنتشر 22 نافورة بمعدل 11 نافورة على كل جانب. وتُعد هذه المنطقة أكثر مناطق القصر جذباً للزوار سواء من داخل روسيا أو خارجها، فضلاً عن أنها تحتل مكانة خاصة في نفوس وقلوب سكان مدينة سانت بطرسبرغ، وتمثل المكان المفضل لهم للاحتفال بالمناسبات المختلفة سواء الوطنية أو الدينية، وقضاء وقت الفراغ في الهواء الطلق، والتمتع بسحر الطبيعة الخلابة.
نافورة نبتون
تُعد نافورة نبتون أكبر وأشهر نافورة في قصر «بيترهوف»، وهي عبارة عن تمثال لـ «نبتون» يتوسط حوضاً مستطيل الشكل به الدلافين وضفيرتان رصاصيتان على شكل ورق شجرة البلوط مذهبتان ومزينتان بالزهور والأصداف.
الشلال الكبير.. 255 تمثالاً
يقع الشلال الكبير أمام قصر «بيترهوف، ويتكون من 64 نافورة، وهي من أكبر النوافير في العالم، و255 تمثالاً برونزياً، وقطعاً للديكورات، فضلاً عن بعض المزهريات، والنقوش، وكهوف طبيعية، وسلالم وأقواس.
ويوجد في وسط الشلال الكبير أشهر نصب تذكاري في قصر «بيترهوف»، ويُعرف بـ «نصب شمشون»، ويتخذ شكل إنسان يمزق فم الأسد، ويُرمز بذلك إلى انتصار القوات الروسية على القوات السويدية في حرب الشمال، ويبلغ ارتفاع تمثال شمشون 3 أمتار، وينطلق الماء من فم الأسد المهزوم إلى ارتفاع 20 متراً. ويضم الشلال أيضاً ثماني نوافير على شكل دلافين مذهبة تقذف الماء من أفواهها، وفي أسفل القاعدة تقف 4 أسود تمثل الجهات الأربع، وتقذف هي الأخرى الماء من أفواهها، ويرتبط حوض الشلال الكبير بالبحر بوساطة قناة يقع على جانبيها 22 كأساً دائرية مثبتاً بها نوافير تقذف الماء إلى ارتفاع 4 أمتار، وتشتهر هذه المنطقة باسم «ممر النوافير».
متحف مفتوح
منذ عام 1918، تحول قصر بيتر هوف والقصور والحدائق والمتنزهات المحيطة به إلى متحف مفتوح، يستقبل آلاف الزوار بشكل يومي. كما أصبحت دور الخدم والضباط والمسؤولين منتجعات سياحية وأماكن ترفيهية.
تدمير وترميم
خلال الحرب العالمية الثانية، تعرض قصر «بيترهوف» والحدائق والمتنزهات المحيطة به لأعمال التدمير والتخريب، وسُرق ما يزيد على 30 ألف قطعة أثرية بين لوحات فنية وتماثيل، كما دُمرت أكثر من 10 آلاف شجرة.
وكانت العديد من المعالم التاريخية والثقافية قد تعرضت للتدمير خلال ثلاث سنوات عاشتها مدينة سان بطرسبورغ تحت سيطرة الاحتلال الألماني، وقد اندلع حريق هائل في القصر، قضى على كل ما بقي بداخله من تحف وأثاث، وقد بلغت الخسائر أكثر من 8 آلاف تحفة، لكن تم ترميم القصر مرة أخرى، وفُتحت أبوابه للسياح والزوار في عام 1964.