السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

كيف غيّرت آيسلندا العالم؟

كيف غيّرت آيسلندا العالم؟
4 سبتمبر 2021 02:33

محمد وقيف

لم يكن من السهل الذهاب إلى آيسلندا في زمن ما قبل المغنية «بيورك» وما قبل زبادي «سْكير»، عندما لم تكن أي رحلة جوية رخيصة عابرة للأطلسي تتوقف هناك. وكان على المرء تجنب الهاوية السحيقة في نهاية العالم، والالتفاف على الجزر التي طفت فجأة على سطح الماء، قبل بلوغ اليابسة والرسو عند سفوح جبال من الصخور الحمراء الساخنة التي تقذف الحمم في عنان السماء. وكان القدّيسون يذهبون إلى هناك بأحلام مقدسة، لكن لا أحد منهم كان يتجرأ على الاستقرار هناك حتى عام 874 للميلاد. 
ولعل هذا ما يفسر قصر تاريخ آيسلندا النسبي. 
في كتاب «كيف غيّرت آيسلندا العالم»، يشرح الكاتب والصحفي الآيسلندي إيجل جارنسون لماذا تمتاز آيسلندا بروح بلدة صغيرة جداً، ومع ذلك تستطيع أحياناً إغلاق العالم؟ قد يكون السمك هو الذي أعطى البلد نكهته الخاصة. فقد أقرت آيسلندا حظر المشروبات الكحولية في عام 1915، لكن الحظر لم يدم طويلاً؛ لأن الإسبان رفضوا شراء سمك القد المملح إلا إذا استمرت البلاد في استيراد النبيذ الأحمر الإسباني، وهو ما اضطر الجزيرة لمواصلة الاستيراد.. هكذا يقول سكانها. ثم شرعت آيسلندا في إصدار تراخيص للصيد. وفي بداية القرن الحالي، ضخّ أقطاب الصيد المال في بنوك البلاد المحرَّرة حديثاً. وهذا الأمر سهّل دخول آيسلندا، على نحو كارثي، إلى مالية دولية قائمة على سمك القد. ففي أزمة عام 2008 المالية، أفلست 90 في المئة من الشركات خلال أسبوع واحد. 
أو ربما المسألة مسألة حجم، إذ يصف جارنسون جزيرةً من الصغر بحيث إنها لم تحتج إلى مقابل لمصطلح «محاباة الأقارب» في لغتها حتى عام 1995، ببساطة لأن تلك هي الطريقة التي تتم بها الأمور في مكان، حيث الجميع تقريباً مترابطون بروابط قرابة عائلية.

ويبدو أن طموح آيسلندا كانت نتيجة المصادفة البحتة تقريباً. فالمستوطنون الأوائل تمكنوا في ظرف 100 عام من ابتكار ديمقراطية من النوع الذين كان سائداً في القرن العاشر؛ لأنه لم يكن لدى أي أحد الحق، حتى ذلك الحين، في أن يكون أميراً أو ملِكاً. فقد أبحروا غرباً بحثاً عن أراضٍ لمحها بحّارون تائهون، وهي الطريقة التي وجدوا بها غرينلاند أولاً ثم أميركا الشمالية. 
كل هذا كان يحدث على واحدة من التصدعات العظيمة في أديم الأرض، حيث الصفائح التكتونية تبتعد عن بعضها بعضاً بمقدار بوصة واحدة كل سنة، والصهارة تغذّي البراكين. وما زال باستطاعة المرء أن يدفن الخبز لطهيه ليلاً في الأرض الآيسلاندية الحارة. كما أنه لم يمر سوى نصف قرن على استخدام وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» صحارى آيسلندا البركانية السوداء كبديل للقمر من أجل تدريب رواد الفضاء. 
عندما تنفجر تلك الجبال، يعلم العالم كله بذلك. ففي عام 2010، أدى الرماد إلى علوق خمسة ملايين شخص تقطعت بهم السبل عبر أوروبا، بعد أن أصبح الطيران مستحيلاً. وفي عام 1783، وبسبب تلك البراكين نفسها، غشى الضباب الكبريتي أوروبا، وكان هناك جليد في خليج المكسيك، ولم تسقط أي أمطار مونسون في الهند. كما دمّرت براكين آيسلندا محصول الأرز في اليابان في تلك السنة. باختصار، لقد غيّرت هذه الجزيرة الصغيرة العالم! 
غير أن التاريخ البشري لهذه البلاد ليس مبهراً بالقدر نفسه. فثورة آيسلندا حدثت بعد بضعة عقود من الثورة الفرنسية، عندما وصل بائع صابون إنجليزي وبحّارته إلى الجزيرة، بينما كان الجميع في قدّاسات الأحد واختطفوا الحاكم الدانماركي. كانت تلك لحظة تاريخية، لكن الأمر استغرق عقوداً قبل أن يتحدث السكان المحليون عن فكرة قيام دولة فعلية. وكان الموت المبكر، وفي حالة سكر، أحد العوائق التي تعوق تحقيق القوميين الأوائل لذلك الهدف، إذ كانوا يسقطون من الدرج، أو يحرقون أسرّتهم، أو يغرقون في القنوات المائية. 
غير أن تلك القومية، المشبَّعة بالأساطير والفخر باللغة الآيسلندية المميزة، غيّرت العالم أيضاً. فعندما كانت الأمم المتحدة تتدارس تقسيم فلسطين، كان على أحد ما أن يترأس اللجنة التي ستقرر ما ينبغي فعله، فكان أن انسحب المرشح الأسترالي، وكذلك فعل المرشح التايلاندي، ليبقى ممثل آيسلندا التي كانت حينها بلداً جديداً هي كذلك. ويمكن القول إن موقفه المؤيد لحل الدولتين هو الذي جعل ولادة إسرائيل ممكنةً. 

الأغنام الشاردة
قرأ النازيون القصص الآيسلندية الطويلة الشهيرة وتخيلوا قاعدة هناك لغواصاتهم، لكنهم وجدوا أنه من الصعب التعاطي مع الأغنام الشاردة والمجاري المفتوحة والسخرية الصريحة التي وجدوها في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك. ثم وصل البريطانيون في بداية الحرب العالمية الثانية، وفي غضون عام تبعهم الأميركيون الذين بقوا. فالرئيس فرانكلن روزفيلت لم يكن قادراً على إعلان حرب في أوروبا، لكنه استطاع إقناع الآيسلنديين بدعوته لحمايتهم. 

مباراة تاريخية
في عام 1986، التقى رونالد ريغان وميخائيل غورباتشيف في آيسلندا، الجزيرة التي تقع في منتصف الطريق بينهما، وكادا يتفقان على نزع الأسلحة النووية كلياً. كما ذهب الروسي بوريس سباسكي والأميركي بوبي فيشر إلى آيسلندا من أجل مباراة تاريخية في الشطرنج إبان الحرب الباردة عَرفت تدخل هنري كيسنجر بالهاتف. 
موقع آيسلندا في الوسط قد يكون المفتاح لفهم هذا التاريخ الخاص جداً. وعلى كل حال، فإن آيسلندا تبدأ بقصصها التاريخية الطويلة الشهيرة وتنتهي بأول امرأة في العالم تُنتخب رئيسة دولة في تصويت مباشر، وتُعرف باسمها الأول، فيجديس. هذه الأخيرة تدين بصعودها لـ«يوم عطلة النساء» الذي شهد إغلاق الجزيرة في دليل ملموس على قيمة عمل النساء ومساهمتهن الفعلية في الاقتصاد، وعلى مدى 11 عاماً، ظلت آيسلندا في صدارة دول العالم في المساواة بين الجنسين. 

جولة
كتاب «كيف غيرت آيسلندا العالم» يأخذ القرّاء في جولة تاريخية توضح كيف لعبت آيسلندا دوراً محورياً في أحداث متنوعة مثل الثورة الفرنسية، والهبوط على سطح القمر، وتأسيس إسرائيل.. وكثيراً ما كانت تجد نفسها دولة صغيرة متواضعة، لكنها على الخط الأمامي لأحداث تاريخية شكلت ملامح العالم كما نعرفه اليوم. 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©