هناء الحمادي (أبوظبي)
مشاهد من الماضي عالقة في الأذهان، تنبعث منها رائحة الماضي الجميل، لا مغريات فيها إلا البساطة والمحبة، ينتصر الحنين إلى الماضي، عندما تسترجع الذاكرة تلك الفرجان، التي لا جيران ولا «رفجان» لهم حس ولا خبر في الوقت الحاضر.
شيخة صالح عبيد من سكان فريج المشرف في أبوظبي، تشعر بالحنين إلى كل زاوية من زوايا المكان الذي ينبض بكل ما فيه من ذكريات ومازالت في ذاكراتها.
وتقول عن ذلك: «أهم ما يميّز الفريج الحب والتراحم وعلاقات التعاون والجيرة الطيبة التي كانت تجمع بين سكانه، فقد كانت الحياة في السابق أكثر بساطة، كما كانت تخلو من كثيرٍ من مظاهر الترف والرفاهية التي تتمتع بها المجتمعات الآن، وقبل التطور الكبير الذي شهدته الحياة في المنطقة وفي الإمارات عقب اكتشاف النفط، كان من الطبيعي أن يواصل أبناء الفريج التعاون على مصاعب الحياة وقسوتها، كما كان كل سكان الفريج يعرفون بعضهم بعضاً، وتربطهم علاقات قوية».
أشارت شيخة إلى أن الحياة في الفرجان القديمة كانت بسيطة، ولكنها كانت مليئة بالحب والتكافل، بحيث لا يظهر الفقر ولا يشعر به الناس لأن ما يمتلكه كل بيت هو ملك جميع البيوت إلى حد بعيد، وأن الأطفال من أي بيت أو أسرة هم أبناء جميع تلك البيوت، وكان الأجداد والجدات والآباء والأمهات يحظون بكل الاحترام والتقدير من جميع الأطفال في تلك الفرجان».
روح المودة
وتضيف: «غياب أحد رجال الفريج قديماً عن أهله، يجعل بقية رجال الفريج يقومون برعاية أهله حتى عودته، ودائماً ما كان الفريج يضم بعضاً من سكانه من ذوي المكانة الاجتماعية المميزة، أو الأكبر سناً وأكثر حكمة، وكان هؤلاء الأشخاص تسند إليهم مهمة الفصل في أي نزاع أو خلاف قد يحدث بين اثنين من أهل الفريج، فيقومون بالنظر في الموضوع والعمل على حله وإنهاء الخلاف، بما يحفظ روح المودة والمحبة بين الجميع في المكان».
وعن علاقة أهل الفريج ببعضهم بعضاً، تلفت شيخة: «يجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ويتبادلون الطعام والشراب، وينتصرون للجار إذا ما تعرّض المنزل لحادث ما، أو غاب (راعي البيت) أي ولي الأمر أو الوالد، في رحلة صيد أو رعي أو سفر أو للتبضع أو التجارة».
بيوت العرشان
وتصف الوالدة شيخة بيوت فريج المشرف: «في الماضي يتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم «سكيك»، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج، وضجيج الأطفال وهم يلعبون في ألفة وأمان، وينتقلون بين بيوت الحي بحرية، نظراً للعلاقات القوية التي كانت تجمع سكان الفريج وكأنهم عائلة واحدة كبيرة».
وأوضحت: كذلك كان الفريج يضم مسجداً يجتمع فيه السكان لتأدية الصلاة، وكثير من الفرجان كان يضم مجلساً يجتمع فيه السكان من الأجيال المختلفة، ليتذكر الكبار تاريخ الآباء والأجداد، والأشعار والمآثر القديمة، ويحفظ عنهم الأطفال والصغار ما يقولونه، حيث كانت المجالس القديمة بمثابة مدارس لتناقل العلوم والآداب والعادات والتقاليد بين الأجيال المختلفة، بينما كان «دكان الفريج» هو المصدر الذي يحصل منه سكان الحي على احتياجاتهم من البضائع والبقالة وغيرها.
جارات
رغم بساطة الحياة وعلاقة الجار بالجار التي بنيت على المودة والتآلف، فقد عُرفت الوالدة شيخة في الفريج بـ «أم مبارك» حيث كثيراً ما تجتمع مع جاراتها في الصباح، تجمعهن السوالف واللقمة الواحدة وخاصة «الريوق الصباحي» أي «الإفطار»، ويبقى بابها مفتوحاً للجارات والأطفال الذين كثيراً ما يشعرون بالراحة معها نظراً لتعاملها الطيب معهم، كما أنها كانت تعالج الكثير من الأطفال بالأعشاب الطبيعية التي تستخدم في الماضي للعلاج من الأمراض.
مناسبات الفرح
وعن شكل الحياة قديماً تذكر الوالدة شيخة: «في المناسبات السعيدة كشهر رمضان وفي الأعياد تبقى العلاقات بين أهل الفريج كأسرة واحدة، كلنا يد واحدة في السراء والضراء وفي الأفراح والأحزان، تجمعهم المحبة والتآلف وروح العائلة الواحدة، حيث من يتعرض لضيقة أو مأزق، فإن الجميع يتسابق لمد يد العون وكأنه واحد منهم، وفي المناسبات السعيدة والفرح فالجميع يساعد في حالة الزواج من تجهيز العرس.
الألعاب الشعبية
قالت شيخة صالح: مارس الكثير من الأطفال الألعاب الشعبية البسيطة التي تكون فيها روح المنافسة بين عيال الفريج، وقد تنوعت الألعاب الشعبية بين الصبيان والبنات، وكانت كثيراً ما تمارس وقت العصر، ليكون التنافس بين الصبيان في من يفوز أولاً، أما البنات فكن يرددن بعض الأغاني الشعبية وهن يمارسن الكثير من الألعاب المخصصة لهن.