د. شريف عرفة
«فجأة وجدت أنني في الأربعين.. الخامسة والأربعين.. ثم سن الخمسين!.. هذه أرقام لم أسمع عنها قط ولم أتخيل أنها ممكنة» … «اللحظة التي تتحول فيها من «كابتن» إلى أستاذ إلى «عمو».. هذه لحظة قاسية ومروعة..!»
هكذا يصف الروائي د. أحمد خالد توفيق خبرة التقدم في العمر.. حين تجد عداد السن البيولوجي يتسارع، بينما لا تشعر في أعماقك أن هذه الأرقام تعبر عنك..
ما هو عمرك؟ هل تشعر أن هذا الرقم ينطبق عليك حقاً؟
والسؤال الأهم هنا هو: هل هذا الشعور صحي من الناحية النفسية أم لا؟
قام باحثون من جامعة لايبزيغ الألمانية باستطلاع آراء أكثر من سبعة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 36 - 89 عاماً، للتعرف على مدى اختلاف عمرهم الحقيقي عن العمر الذي يشعرون به في أعماقهم، وتأثير هذا على صحتهم النفسية ككل.. للتعرف على تفاصيل الموضوع، كان لنا هذا الحوار مع الباحثة ماريا بلوكل Maria Blöchl الباحثة الرئيسة في هذه الدراسة.
أصغر.. بكم سنة؟
- وجدت الدراسة أن الناس يشعرون بمزيد من الرضا في الحياة عندما يشعرون بأنهم أصغر من عمرهم الحقيقي بأكثر من 22 عاماً كاملة «الشخص في الخمسينيات يشعر برضا أكبر حين يشعر بأنه في العشرينيات.. والشخص في السبعينيات يشعر برضا أكبر حين يشعر أنه في الأربعينيات!» فما تفسير هذا؟
تجيب بلوكل:
بشكل عام، يشعر أكثر البالغين بأنهم أصغر سناً من عمرهم الحقيقي، وتشير العديد من الدراسات إلى أن هذا مرتبط بزيادة الرضا عن الحياة.
والتفسير الأول لذلك أن الشعور بالشباب يبعد الناس عن الصور النمطية السلبية للتقدم في العمر، مما يحمي رفاهيتهم وإقبالهم على الحياة. والتفسير الثاني هو العكس، أن الشعور بالشباب هو في الأساس انعكاس لكونك أكثر صحة وسعادة.. بشكل عام، لكن يبدو أن هذا محكوم بعدد محدد من السنوات!
تقبل للذات أم رفضها؟
- قد يجادل بعضهم في أن جزءاً من الشيخوخة الصحية هو قبول عمرك الحقيقي.. فماذا رأيكِ في ذلك؟
تجيب بلوكل:
دراستنا تسير في هذا الاتجاه بالفعل.. في دراستنا هذه أظهرنا، لأول مرة، أن هناك عاملاً مهماً ينبغي وضعه في الاعتبار، وهو ألا يزيد التناقض بين عمرك النفسي وسنك الحقيقي على حد معين..
فإذا شعر الإنسان أنه أصغر سناً مما هو عليه بـ 50 عاماً مثلاً، فإن هذا ليس مفيداً لصحته النفسية. في دراستنا نقترح أن يكون هناك حدود للتناقض بين العمر النفسي والعمر الحقيقي... لأن الأشخاص الذين ينكرون سنهم بشكل فج يقل رضاهم عن حياتهم، لأنهم قد يتبعون نمط حياة شديد التناقض معهم، وهو ما يعرضهم للرفض الاجتماعي واستهجان الآخرين.
وقد أظهرت دراسات أخرى، على سبيل المثال، أن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم أصغر سناً بشكل مبالغ فيه، قد يبالغون في تقدير قدراتهم، عند قيادة السيارة مثلاً، وهو ما يعرضهم للخطر.
قد يكون التحيز الشخصي المعتدل للعمر «الشعور بأنك أصغر سناً» هو الأمثل لأنه قد يوفر فوائد نفسية، مثل الإقبال على الحياة والدافعية والثقة في النفس والشعور بالكفاءة وممارسة الأنشطة الترفيهية، في حين أن التحيزات العمرية الذاتية الأكبر قد تكون مرهقة نفسياً واجتماعياً.
حدود ثقافية؟
- تمت هذه الدراسة على أفراد في بريطانيا.. ألا يمكن القول بأن هذه النتيجة محصورة في المجتمع الغربي فقط؟
تجيب بلوكل:
هناك اختلافات ثقافية قد يعتقد بعضهم أن لها تأثيراً في الموضوع.. فهناك مميزات يحظى بها كبار السن في بعض المجتمعات أكثر من غيرها.. ففي البلدان العربية أو الصين، يحترم الناس كبار السن ويتم تقديرهم، أكثر مما يحدث في الثقافات الفردية، في أوروبا أو الولايات المتحدة.
لكن رغم ذلك، ما يزال كبار السن حول العالم يفضلون الشعور بأنهم أصغر سناً.. الصور النمطية للعمر والشعور بأنك أصغر سناً تعتبر عالمية بشكل مدهش.لذلك أفترض أن النتيجة تنطبق على الناس من مختلف الثقافات. لكن هذا يحتاج لمزيد من البحث.