نسرين درزي (أبوظبي)
لا يمكن الحديث عن المشهد الحضاري لإمارة دبي دون ذكر الإبهار المعماري الذي يمثله مشروع قناة دبي المائية بتصاميمه المتفرّدة في المنطقة، والذي يظهر كمعلم سياحي وتجاري يقدم أسلوباً فارقاً وجديداً للحياة العصرية. وتجمع جسوره في تركيبة هندسية لافتة بين الماضي والحاضر والمستقبل، تأكيداً على الاعتزاز بالتراث العريق لدولة الإمارات والسعي الدائم للتطور وتسطير الإنجازات.
عام 2013 كُلِّفت هيئة الطرق والمواصلات بدبي، بالتعاون مع شركتي ميدان وميراس بدراسة إنشاء قناة مائية تربط منطقة الخليج التجاري بمياه الخليج العربي، مروراً بقلب مدينة دبي بطول يبلغ 3.2 كم.
وقبل التنفيذ.. قامت الهيئة بدراسة تفصيلية لمنطقة المشروع وأجرت العديد من المقارنات المعيارية لمشاريع مشابهة على مستوى العالم في الدنمارك وهولندا وألمانيا، وفي نوفمبر من العام 2016 افتتحت القناة لتكون أيقونة حضارية وسياحية وتجارية فريدة من نوعها.
وتم تقسيم المشروع إلى 3 مراحل أُنجزت بوتيرة متسارعة، وفقاً لأعلى المعايير العالمية، وتضمنت: إنشاء جسور، على شارع الشيخ زايد مع جسور للمشاة، وعلى شارعي الوصل وجميرا مع تمديدات الماء والكهرباء والاتصالات، وأعمال حفر للقناة وأعمال إنشائية عند شاطئ جميرا.
9 محطات عوامل التفنن المعماري في تشييد الجسور تستدعي وقفات مطولّة عند التصاميم والمواد التي شكلت بنيتها الأساسية، فقد بلغت كميات الحديد المسلّح الذي استخدم في بناء الجسور ما يقارب 25 ألف طن، فيما بلغت كميات الإسمنت المستخدمة نحو 150 ألف طن.
وأكثر من ذلك، فقد عملت الهيئة على توفير خدمة النقل البحري في قناة دبي المائية، حيث تم بناء 5 محطات بحرية تخدم 6 ملايين مسافر سنوياً، و4 محطات إضافية على امتداد قناة الخليج التجاري، مع تركيب مصاعد على جانبي جسور المشاة الثلاثة لتسهيل حركة العبور.
80 ألف متر مربع
عن جماليات مشروع قناة دبي المائية تحدثت لـ«الاتحاد» المهندسة ميثاء بن عدي، المدير التنفيذي لمؤسسة المرور في هيئة الطرق والمواصلات، وقالت إنه من أسس التنمية الرائدة لمدينة دبي وأحد أهم المشاريع الحيوية في الإمارة، وله تأثيرات إيجابية في عدة مجالات. إذ تعتبر القناة وجهة سياحية ترفيهية، وإضافة قيمة إلى مسيرة الإنجازات في دولة الإمارات حيث يوفر المشروع ما يقارب من 80 ألف متر مربع مخصصة للأماكن العامة والمرافق الحيوية، ويضم ممشى بطول 6 كم تم ربطه بمضمار الجري عند ممشى كورنيش جميرا الذي يبلغ طوله 7 كم، وفيه ساحات مزودة بشاشات تفاعلية وخدمة الإنترنت وأماكن للجلوس مطلة على القناة المتألقة بأعمال تشجير متناسقة وبإضاءة تجميلية حديثة ذات تصميم مبتكر.
3 جسور للمشاة
مع استكمال مشروع قناة دبي المائية وُضعت الأفكار التصميمية من قبل الاستشاري المعماري «AE7» لجسور المشاة الثلاثة التي تعكس تاريخ الإمارة وتطورها وتجمع في هيئتها الهندسية بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتربط الجسور الحيوية والمتميزة بمواقعها ضفتي القناة لتسهيل حركة الجمهور ومستخدمي الدراجات الهوائية، وتشجيع النقل الجماعي والسياحي بين المحطات البحرية في الموقع.
صواري المراكب
جسر المشاة الأول يمثّل ماضي دبي، وهو معلّق بوساطة كابلات حديدية حاملة لبلاطة الجسر تستند على أبراج من حديد مبنية على قواعد من الخرسانة المسلّحة. ويستوحي الجسر تصميمه من التراث البدوي والساحلي الذي يميز الإمارة، وتذكرنا كابلاته بأقمشة الشد في الخيام البدوية وصواري المراكب الشراعية.
جسر التسامح
جسر المشاة الثاني يمثّل حاضر دبي، وهو معلّق ويتكون من قوس بيضاوي الشكل ترتفع قمته حتى 50 متراً، ويستند على قواعد خرسانية على جانبي القناة وتتدلى منه كابلات حديدية حاملة لبلاطة الجسر.. و يحمل اسم جسر التسامح، استناداً للقيم الأساسية لدولة الإمارات، ويرمز إلى النسيج الاجتماعي المتنوع في البلاد وعلاقاتها الثقافية الممتدة مع العالم.
أجمل الجسور
جسر المشاة الثالث يمثّل مستقبل دبي، وهو عبارة عن حامل شبكي حديدي مفتول المقطع، تستند بلاطته على أعمدة حديدية على جانبي القناة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرؤية الديناميكية ومفهوم الغد. يغلف مساره هيكل ملتو أصبح علامة بارزة في العمارة المحلية والعالمية، حيث تمت تسميته مؤخراً كأحد أجمل الجسور في العالم من قبل مجلة «كوندي ناست ترافيلر».
شلال آلي
في إطار الاهتمام بجماليات المشروع، أنشئ شلال مياه آلي عند تقاطع القناة مع جسر شارع الشيخ زايد، يضخ الماء عبر الجسر في تدفق مستمر يتوقف بشكل أتوماتيكي من خلال جهاز استشعار عند عبور أي قارب.
شهادة الاستحقاق
فازت جسور المشاة في قناة دبي المائية بشهادة الاستحقاق لعام 2017، عن فئات التصميم الإقليمي والحضري من المعهد الأميركي للهندسة المعمارية، فرع «بيتسبرغ».
قارب وعبّارة
لعبور قناة دبي المائية بانطباع لا يُنسى، يُنصح بخوض التجربة على متن قارب أو مركب شراعي تقليدي أو عبّارة حديثة. وتضمن رحلات القوارب الاستمتاع نهاراً بمشاهدة «دبي سكاي لاين» من منظور مختلف، والاسترخاء ليلاً مع تأمل النجوم، وتتيح إطلالات على برج خليفة وبرج العرب ومحمية راس الخور للحياة البرية. أما جولات العبّارة التي تجسد تراث الإمارات، فتبدأ من فستيفال سيتي مول وتنتهي عنده، وتعتبر إحدى وسائل النقل التقليدية التي استخدمت قديماً في الإمارات ولفترات طويلة.