شعبان بلال (القاهرة)
بني قصر شامبور الفرنسي ليكون شاهداً على انتصارات الملك فرانسوا الأول، فأراده عظيماً فخماً يعبر عن مدى قوة الملك وصولاته وجولاته الخارجية، تمنى أن يعيش القصر ليحكي عن تاريخه الطويل، ولأن الملك صاحب ذوق رفيع وعاشق للفن والثقافة، اختار من يصمم له هذا المشروع العملاق بعناية.
كان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، عندما وقع اختيار الملك فرانسوا الأول على الفنان الفرنسي الشهير ليوناردو دافنشي، أشهر فناني ورسامي تلك الحقبة، فتجلت عبقرية دافنشي في تصميم وتنفيذ هذا القصر، الذي يشير إليه المؤرخون كرمز للنهضة الفرنسية.
حديقة تضاهي مساحة باريس
قبل سنوات قليلة لم يكن الشكل الحقيقي لحديقة قصر شامبور معروفاً، فهي تصنف كأكبر حديقة مغلقة داخل أوروبا، وحاولت الدولة الفرنسية على مدار ستة عشر عاماً استعادة شكل الحديقة الأصلي الذي بنيت عليه عام 1515، وبعد الكثير من الأبحاث والدراسات استعاد القصر حديقته القديمة عام 2017.
هذه الحديقة التي تضاهي مساحة العاصمة باريس كاملة، احتاجت إلى 600 شجرة، و800 شجيرة، حتى تعود إلى سابق عهدها، وليس هذا فقط وإنما 200 شتلة ورد، 15250 نبتة لتحديد الأطراف، أما أكثر الأشياء التي احتاجت إلى الكثير من العمل فهي الموج التي أعيدت زراعتها بالكامل على مساحة 18874 متراً مربعاً.
بنيت الحديقة وفق الأسلوب الفرنسي، وكأنها لوحة فنية من مقدمة فيلم من إنتاج شركات الرسوم المتحركة العالمية، فالحديقة تشبه غابة كبيرة على مساحة أكثر من 13 ألف فدان، ولحمايتها وضع الملك سور حولها بطول 32 كيلو متراً.
ولا تقتصر الحديقة العملاقة على المروج الخضراء فقط، وإنما بها العديد من النباتات النادرة، والكثير من الحيوانات، ويمكن للزائرين بعد إعادة افتتاح الحديقة عام 2018، أن يستمتعوا بمساحة 20 كيلو متراً من المروج الخضراء، ويختار الزائر بين أكثر من وسيلة للتنزه والتنقل بين وديان هذا الغابة العملاقة، إما بواسطة الخيول أو سيارات الدفع الرباعي، أو حتى الدراجات الهوائية، وربما يختار محبو الأفلام التي تجسد تلك الفترة أن يستمتعوا بالحديقة في عربة تجرها الخيول.
خدعة هندسية
بعد الانتهاء من الحديقة يستعد الزائر لجولة تاريخية في طوابق القصر الثلاثة الأولى في أحد أبراجه المربعة الذي يشبه صندوق المجوهرات، وفق وصف المؤرخين، ولتنقل بين هذه الطوابق والغرف المتعددة، لا بد من استخدام الدرج الذي بتوقيع دافنشي.
الدرج الثوري المفتوح من بين أشهر سلالم القصور في العالم، حيث يمكن للزوار أن ينقسموا إلى قسمين، ويصعدون الدرج وهم يتابعون بعضهم البعض، ظناً منهم أنهم قد يلتقون عند نقطة ما، ولكن هيهات، فهي مجرد خدعة هندسية، لأن السلم مزدوج ومفتوح من الجانبين دون التقاء.
يؤدي الدرج الشهير إلى 4 شقق متطابقة، تم استعادة أثاثها قبل افتتاح القصر للزوار من كل أنحاء العالم، ويحتوى القصر أيضاً على 426 غرفة، وأكثر ما يميزه هو مداخنه الكثيرة التي بلغ عددها 282 مدخنة، ولا يسمح للزائرين إلا بدخول 60 غرفة فقط من إجمالي غرف القصر، واستكشاف 4500 قطعة فنية.
بعد افتتاح القصر الذي يعود إلى عصر النهضة، كان للتكنولوجيا دور في إضافة العصرية على زيارته، فوضعت لوحة إلكترونية تاريخية تعمل بتقنية الأبعاد الثلاثية، تسمح للزائر برؤية كل مكان في القصر، وهو في مكانه، وتأخذه في جولة تفاعلية مع إمكانية الاستماع إلى 12 لغة مختلفة.
حيوان السلمندر
أعطى الملك فرانسوا الأول الأمر ببدء العمل في القصر، ولكنه لم يقض فيه إلا 50 يوماً فقط، بعد ضخامة الأموال التي أنفقت عليه، ولم يستمتع بكل ما أراد من قوة وعظمة هذا القصر التاريخي، والغريب أن من حظي بالقصر هم أشخاص آخرون، أهمهم الملك لويس الرابع عشر، الذي استكمل بناءه ليكون بشكله الحالي.
وتخصص القصر بعد ذلك في استقبال الشخصيات الهامة التي تأتي في مجموعات، إما لحضور الحفلات الهامة التي تقام فيه، أو للقيام برحلات صيد، وبسبب أهمية القصر، وضعته اليونسكو تحت مظلة التراث العالمي عام 1981.
أما الأمر الغريب الثاني في القصر فهو حيوان السلمندر، الذي اعتقد الملك فرانسوا الأول أنه سر قوته، ولهذا فقد أمر بتمثيله ورسمه على سقف القصر أكثر من 300 مرة موزعة بين السقف والجدران، وكان الملك الفرنسي يؤمن بالاعتقاد الشعبي السائد الذي يشير إلى قوة حيوان السلمندار في السيطرة على النيران، وصنفته المأثورات الفرنسية بأنه حيوان غير عادي يحمل شعار أتغذى من النار الجيدة، وأطفئ النار السيئة.