شاكر نوري (دبي)
على الرغم من ندرة المعلومات عن حياة الرحالة الفرنسي جاك دو فيلامون (1558 - 1625) إلا أن كتابه «رحلات» تبوأ مكانة مهمة في أدب الرحلات. وبتواضع جّم كان يقول عن نفسه، إنه جندي يسعى إلى الكتابة. وينحدر فيلامون من مدينة «روان» وتتلمذ على يد أستاذه الإيطالي الشهير جيرولامو كافالكابو.واستغرقت رحلته المذهلة إلى الشرق أكثر من ثلاث سنوات بين أعوام 1588 و1591. كما قام برحلة إلى يافا ركّز فيها على الحجّ إلى الأماكن المقدّسة في فلسطين.. ونُشرت أسفاره وكتاباته مرات عديدة، وحازت شعبية كبيرة.
غادر فيلامون إلى الشرق في عام 1588 - تاركاً مدينة البندقية إلى قبرص ثم سوريا ووفي النهاية عاد إلى البندقية من الإسكندرية عام 1590. وسطر في تلك الفترة مذكراته عن مرحلة الشباب، ثمّ قام أصدقاؤه بنشرها والترويج لها، إذ حصلت الطبعة الأولى من كتابه على تصريح خطي من الملك هنري الرابع. وأصبحت كتبه بعد مرور سنوات عبارة عن دليل سفر للمسشترقين والرحّالة الذين يقصدون الشرق.
انطلقت رحلة دي فيلامون من منطقة بريتاني شرق فرنسا، ووصل إلى إيطاليا عبر مدينة ليون. وبعد إقامته في روما ونابولي سافر إلى البندقية متوجّهاً إلى قبرص وسوريا.
تنقسم رحلاته إلى ثلاثة أجزاء، الأول مخصّص لرحلته بين بريتاني والبندقية، والثاني يصف الأرخبيل اليوناني، والأخير رحلته في سوريا. وكان لويس الرابع عشر قد أرسله في عام 1685 مع ستة للقيام برحلات نحو الهند والصين، حيث رافق الأب تاشار شوفالييه دي شومون. وتعتبر رحلاته وثائقية لأنها تقدّم معلومات تاريخية وإثنولوجية عن هذه البلدان وسكانها، ومنطقة رأس الرجاء الصالح، وحرص على تضمين كتبه رسومات توضيحية لمناظر المدن والآثار وما تزخر به الطبيعة من حيوانات ونباتات.
رحلات
تأخذ رحلات جاك دو فيلامون بعدين: الأول ارتبط الأول بالتقدّم العلمي والإيجابي في تاريخ العلم، الثاني بالتصوف والروحانيات. ومع هذا التباعد حرص الرحالة على أن تكون رحلات صادقة وحقيقية. كان يؤمن بأن على المسافر أن يستكشف ما خلق الله من الكون. لذلك ركز على كتابة جميع التفاصيل في رحلاته، بل وأصبح العين لمن لم يزر تلك البلدان. وباعتباره رساماً كبيراً كان يسعى إلى رسم كلّ ما يراه من المناظر الطبيعية الجميلة والمروج الخضراء والجداول الصافية ببراءة وعفوية، مندمجاً مع الطبيعة، كما لو أنّه يستخدم فرشاة مستوحاة من إيمانه وثقافته، من أجل تقديم متعة بصرية أثناء السفر، لذلك كان يراقب الصائمين بدقّة، وهو منبهر بطقوسهم وصبرهم في شهر رمضان. كما تحدث في رحلاته عن حلقات الذكر والمساجد المضاءة وزحام الأسواق ومآدب الإفطار التي يدعى إليها الأصدقاء. وسجل عن رمضان بأن مكانته الفريدة في ذاكرة المسلمين ووجدانهم، مسجّلاً عاداتهم وتقاليدهم التي استفاد منها المستشرقون الذين رافقوا الحملة الفرنسية على مصر.
عادة جميلة
وصف المصريين بالكرم، قائلاً عنهم: «لديهم عادة جميلة في الجلوس على الأرض، وتناول الطعام في فناء مكشوف أو أمام بيوتهم، ومن كرمهم أنهم يدعون المارّة إلى المائدة بصدق وحرارة».. ومن شدة ولعه بالحقيقة يقول في كتابه الكبير «ترحال في صحراء الجزيرة العربية» 1589 إنّه استأجر غرفة في شارع رئيسي من أجل متابعة احتفاليات رمضان بنوع من الشغف وحبّ الفضول، وهو يراقب تفاصيل عاداتهم وطقوسهم التي أبدى الاحترام الكامل لها.. ولم يبخل الرحالة الفرنسي بوصف المدن العربية في أثناء شهر رمضان بأنها تتغيّر ملامحها كليّاً من خلال ممارسة العادات والطقوس التي تمنح رمضان نفحة خاصّة والتي توارثها الأهالي عبر الأجيال، وأصبحت جزءاً من المظاهر الدينية والحياتية الملازمة لهم.
كما شرح جاك دي فيلامون أنّ الديني اختلط بالاجتماعي، وترسّخ في نسيج المجتمع، وأصبح جزءاً من مباهجه وأفراحه واحتفالاته. وأن رمضان ما هو إلا النبض الحيّ في وجدان الصائم إذ يمدّه بطاقة روحانية تجعله يتغلّب على متاعب الحياة بكلّ قساوتها، وذلك ما تجسّد المواكب الاحتفاليات الرسمية والشعبية في كلّ مكان..ومن ملاحظات الرحالة الفرنسي الحالة التي تعيشها المدن العربية في رمضان، وما تزخر به من كرم وسخاء وتوزيع الطعام على الفقراء، والتعاون بين طبقات المجتمع من دون تفريق في جو يسوده الخشوع والصلوات وقراءة القرآن.
الشرق في أذهان الأوروبيين
يؤكّد جاك دي فيلامون أنّ الشرق في أذهان الأوروبيين لم يكن سوى عالماً من السحر والجمال سعوا إلى استكشافه عبر رحلاتهم الشخصية والعسكرية إلا أن البعض أساء فهم هذا الشرق نتيجة للأنماط الذهنية الجاهزة التي تكونت عنه على مر الأجيال.. وقال : يتميّز شهر مضان في الشرق بالتقوى والإيمان ما يزيد هذه الليالي حلاوة ومذاقاً خاصّاً المسحراتي والمدفع والولائم البيتية، وجلسات الذكر وغيرها من مظاهر الاحتفالات . وقدم بحثاً استشراقيّاً عن الصيام الفريد من نوعه - رغم أن الصيام معروف في جميع الأديان بدرجات مختلفة - جاء فيه أنه الامتناع عن الطعام والشراب والملذّات الحسية. ويتعدّى معنى الصيام الامتناع عن الطعام والشراب إلى الامتناع عن كل ما يسيء إلى الآخرين لأن دلالاته عميقة في الإيمان والإسلام.. وقال: الصيام عند المسلم يساعد على التربية الصحيحة، ويؤهله للقيام بأعمال خيرية أخرى، ويوحّد إيمان المسلمين، لأن جوهر الصيام ترويض البدن وتزكية النفس وتقوية الإيمان.. إضافة إلى تزويد الصائم بفوائد تقشفية وتعظيم القدرة على ضبط النفس، وسيطرتها على الجسد. وقد سجل هذه الدلالات العميقة لمفهوم الصيام من خلال رؤيته الموضوعية لواقع رآه بأم عينيه في أجزاء من العالم العربي.
مراجع:
HYPERLINK «https://www.oxfordreference.com/view/10.1093/oi/authority.20110803115851459»
Jacques de Villamont - Oxford Reference
HYPERLINK «https://bibliothecaterraesanctae.org/600/1607-jacques-de-villamont.html»
1607 - Jacques De Villamont - Bibliotheca Terrae Sanctae HYPERLINK «https://www.nli.org.il/en/books/NNL_ALEPH002206089/NLI»
Les voyages du Sr. de Villamont | Jacques de Villamont |...
4Jacques de Villamont - Journals@KU
HYPERLINK «https://publications-prairial.fr/cliothemis/index.php؟id=531»
Des apprentis anthropologues au Levant à la fin du xvie...
HYPERLINK «https://journals.ku.edu/chimeres/article/download/6356/5773/11822»