أحمد مراد (القاهرة)
ينتظر الملايين من عشاق الطبيعة فصل الربيع من كل عام بفارغ الصبر، حيث تتفتح الزهور وتورق الأشجار، فضلاً عن روعة الطقس، وسحر النسيم، ولكن دائماً ما يكشر الربيع الساحر عن أنيابه مع تشكل ما يُعرف بـ «المنخفض الخماسيني»، الذي تصاحبه ظروف جوية سيئة جداً تستمر لفترة طويلة قد تصل إلى 50 يوماً.
ويتشكل المنخفض الخماسيني نتيجة التسخين الشديد لسطح الأرض، الأمر الذي يسفر عنه انخفاض في كثافة الهواء الموجود فوقها، وبالتالي يرتفع الهواء للأعلى ويقل الضغط، فمع السخونة تقل كثافة الهواء، ويقل الضغط الجوي، ولهذا السبب يطلق عليها وصف «المنخفضات»، على الرغم من أنها حارة، ويبدأ الهواء بالتجمع من مناطق الضغط المرتفع في اتجاه مناطق الضغط المنخفض.
من الصحراء إلى البحر
تنشأ المنخفضات الخماسينية في الجزء الشمالي من قارة أفريقيا، وتحديداً في الصحراء الكبرى في وسط الجزائر ووسط ليبيا، حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة في الصحراء الكبرى إلى انخفاض الضغط في بؤرة معينة من الصحراء، ومن ثم تهب عليها الرياح من كل مكان، وتبدأ هذه الرياح بالدوران حول هذه البؤرة باتجاه عكس عقارب الساعة، ثم تزحف هذه المنخفضات وهي محملة بالغبار والأتربة والرمال ناحية الشرق وشمال الشرق، وتكون موازية لساحل البحر الأبيض المتوسط، حتى تصل إلى بلاد الشام وشمال المملكة العربية السعودية، وعند اقتراب هذه المنخفضات من البحر، فإنها تتلاشى تماماً بسبب غياب عامل التسخين السبب الرئيس في حدوثها وتشكلها.
رياح حارة جداً
ترتبط المنخفضات الخماسينية بظروف جوية سيئة للغاية، حيث إنها تؤدي إلى ارتفاع كبير وملموس في درجات الحرارة، وارتفاع في تركيز الغبار المحمول من الصحراء الأفريقية في الأجواء، فضلاً عن أنها قد يرافقها تأثير كتلة هوائية باردة في نهايتها تعمل على انخفاض الحرارة وربما هطول الأمطار.
وتعد ما يُعرف بـ «رياح الخماسين» أبرز وأشهر الظواهر الجوية المرافقة للمنخفضات الخماسينية، وتنشط هذه الرياح بشكل متقطع على مدى 50 يوماً، ولكنها نادراً ما تهب أكثر من يوم أو يومين في الأسبوع.
ورياح الخماسين عبارة عن رياح جنوبية غربية، ودائماً ما تكون جافة وحارة جداً، حيث تبلغ درجة حرارتها 40 درجة مئوية، وبسبب أنها تنطلق من الصحراء، فإنها تكون محملة بأطنان من الغبار والأتربة والرمال، وتتحرك هذه الرياح بسرعة كبيرة تصل إلى 140 كيلومتراً/ ساعة، وذلك في اتجاه مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط مثل مصر وبلاد الشام ومنطقة شبه الجزيرة العربية، وتؤدي هذه الرياح الحارة إلى ارتفاع سريع في درجات الحرارة، وتسود أجواء غير مستقرة بسبب كمية الغبار الهائلة التي تقلل من مدى الرؤية.
وبحسب تقديرات خبراء الأرصاد، فإنه يسقط على العاصمة المصرية «القاهرة» خلال هبوب رياح الخماسين، أطنان من الرمال بنسبة 96 طناً لكل ميل مربع في الساعة الواحدة، وقد تصل هذه الكمية إلى نحو96.1 طن لكل ميل مربع في الساعة عند هبوب الرياح الشديدة.
ويختلف اسم هذه الرياح من بلد إلى آخر، ففي مصر وبلاد الشام تسمى «رياح الخماسين»، وتُعرف في السودان بـ «الهبوب» أو رياح «القبلي»، وتُعرف في منطقة الخليج العربي والعراق بـ «رياح الطّوز»، وتُعرف في أوروبا بـ «رياح الشروقي»، ولكن نادرة ما تصل هذه الرياح إلى أوروبا.
50 يوماًً
دائماً ما تتشكل المنخفضات الخماسينية مع حلول فصل الربيع من كل عام، وبالتحديد في الفترة من يوم 21 مارس، وتستمر حتى يوم 10 مايو، أي أنها تمتد لمدة 50 يوماً، ولهذا السبب أطلق عليها علماء الأرصاد الجوية لقب «الخماسينية»، وبسبب مسارها في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، فإنها تحمل معها الحرارة والأتربة والرمال خلال طريقها من صحراء أفريقيا إلى بلاد الشام في الشرق.
80 نوعاًً من الفطريات
تتألف جزيئات غبار الخماسين من سيليكات الألمنيوم والكربونات، مع مكون ثانوي من الفوسفات، التي تؤثر على تركيز الأحجار في صحراء شمال أفريقيا. كما يحتوي هذا الغبار على حبيبات صغيرة من الأترِبة والرمال ومركبات الرصاص والكثير من الميكروبات، فضلاً عن أنها تحمل سموم البكتيريا التي تتغذى عليها حشرات الفراش، ويوجد فيها أيضاً نحو 80 نوعاً من الفطريات المسببة لحساسية الصدر، وأنواع أخرى تسبب احتقان الأنف.
عواصف رعدية وترابية
في بعض الأحيان تترافق المنخفضات الخماسينية مع منخفض على مستوى 500 هيكتوباسكال «وحدة قياس الضغط الجوي» وفي هذه الحالة يحدث التحام وتصادم بينهما، الأمر الذي يؤدي إلى تكون العواصف الرعدية في القطاع البارد من المنخفض، بينما في القطاع الحار من المنخفض تتشكل العواصف الترابية، ومن ثم تتشكل في المقدمة عواصف رعدية، وفي المؤخرة تتشكل العواصف الترابية.
ثلوج برتقالية
شهد شهر مارس من عام 1998 أقوى وأعنف حالة انقلاب من الأحوال والمنخفضات الخماسينية، ووصفت بأنها حالة متطرفة جداً، حيث تحول منخفض جوي خماسيني حار جداً إلى منخفض قطبي نتيجة اندماجه مع منخفض جوي قطبي علوي بارد، الأمر الذي صاحبه سقوط الثلوج على الجبال الفلسطينية، وبالتحديد خلال يوم الثامن عشر من شهر مارس، وكانت الثلوج باللون البرتقالي نتيجة تواجد بقايا العاصفة الرملية التي جلبها المنخفض الخماسيني.