لوسيندا روب*
هل سئمت من البقاء في المنزل؟ ربما ما تحتاجه الآن هو الهروب من مكان لا يوجد فيه فيروس كورونا والاستقطاب السياسي والكوارث الطبيعية المدمرة. ولكن أين يمكنك أن تجد مثل هذا المكان على وجه الأرض؟ الأمر بسيط: في قاع المحيط. لحسن الحظ، فإن كتاب «جوش يونج» بعنوان «مهمة استكشافية لأعماق المحيط: أول نزول إلى قاع المحيطات الخمسة في العالم» جاهز ليأخذك إلى هناك، في رحلة مثيرة ومشوقة وناجحة في نهاية المطاف.
المحيطات الخمسة هي: المحيط الهادئ، والمحيط الأطلسي،
والمحيط الهندي، والمحيط المتجمد الشمالي، والمحيط المتجمد الجنوبي.
إنها قصة مغامرة قديمة. كتب يونج أكثر من 20 كتاباً، خمسة منها من أكثر الكتب مبيعاً في نيويورك تايمز، فهو يتمتع بسر سهل القراءة بشكل رائع، حيث ينسج التفاصيل العلمية والجغرافية والهندسية بأسلوب سلس يتسم بالكثير من الفكاهة والدراما.
تم تصميم الرحلة الاستكشافية وتمويلها وقيادتها من قبل مستكشف البحار الأميركي «فيكتور فيسكوفو». يحمل هذا الضابط الاستخباري السابق في الاحتياط البحري في تكساس درجات علمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد وستانفورد، ويطير بطائرات هليكوبتر, وطائرات ذات أجنحة ثابتة، وأسس شركة خاصة بقيمة مليار دولار في دالاس. في وقت فراغه، أكمل Explorers Grand Slam، وهو هدف مغامر للوصول إلى القطب الشمالي والقطب الجنوبي، وكذلك تسلق قمم الجبال السبعة. مثل الإسكندر الأكبر، الذي من المفترض أنه بكى لأنه لم يكن هناك المزيد من العوالم للتغلب عليها، وضع فيسكوفو هدفاً بالذهاب إلى قاع المحيطات الخمسة, لأنه يحتاج إلى تحدٍ جديد.
وبعمق سبعة أميال تقريباً تحت مستوى سطح البحر، يعتبر خندق ماريانا في المحيط الهادئ أعمق نقطة على الأرض، وهو عمق أكبر بكثير من ارتفاع جبل إيفرست. الضغط عند هذا العمق محير للعقل -يقارنه يونج بوجود 290 طائرة من طراز 747 مملوءة بالوقود مكدسة فوقك. حتى عام 2018، لم ينزل سوى ثلاثة أشخاص، في رحلتين مختلفتين تفصل بينهما أكثر من 50 عاماً. لم يقتصر الأمر على عدم وجود بشر في قاع المحيطات الأربعة الأخرى، بل لم يكن العلماء متأكدين تماماً من المسافة التي قطعوها.
بالحديث عن ذلك، هل يمكنك تسمية جميع المحيطات الخمسة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فأنت لست وحدك. ومما ينم عن حالة تجاهلها على نطاق واسع أنه يمكنك على الأرجح تسمية المزيد من الكواكب التي تبعد ملايين الأميال عن المسطحات المائية الهائلة التي تحكم حياتنا بطرق يصعب فهمها. (بالمناسبة، المحيط الذي ينساه الجميع هو المحيط الجنوبي، الملقب بـ «الستينات الصارخة» بسبب العواصف الشرسة في خطوط العرض تلك).
كان يساعد «فيسوكو» طاقم دولي من الشخصيات، لكل منهم خبرته الخاصة وله أجنداته الخاصة. لا يقتصر الأمر على إنفاق الأموال على المشكلة فحسب، بل يتعين عليك تصميم الرحلة الاستكشافية بأكملها وبنائها وتجهيزها والتخطيط لها. لا يمكن تخيل العقبات التي واجهتهم خلال رحلتهم، وكذلك النفقات الهائلة. على سبيل المثال، في مرحلة حاسمة من مهمتهم، انفصل قسم من الغواصة، وهو هيكل من التيتانيوم يحمي ركابها من الضغط الهائل.
هذا إلى جانب تحديات الحصول على التصاريح الدولية وقواعد المناطق الاقتصادية الخالصة، مما يعني أنه على الرغم من وجود قانون بحري في جانبهم، فإنهم كثيراً ما يشتبكون مع السلطات المحلية التي تتوق إلى مصادرة شيء ما، حتى لو لم يكونوا متأكدين منه.
دائماً ما تكون الأهداف العلمية للبعثات ثانوية، على الرغم من أن التباهي بنظام رسم الخرائط بالسونار يتضح أنه مفتاح في التحقق من حيازتها للأرقام القياسية العالمية، لكن الأمر لا يتعلق فقط بحقوق المفاخرة. إنها معجزة صغيرة أن نصمم ونبني شيئاً يمكنه الغوص لأميال تحت سطح البحر بشكل متكرر وموثوق. كما يقول فيسكوفو، «إنه يفتح باباً لم يكن موجوداً».
بينما تنجح الحملة في تحقيق هدفها المعلن، فإن الدعاية هي بمثابة فشل. حتى في مايو 2019، قبل أن يهيمن فيروس كورونا والانتخابات الرئاسية على الأخبار، توَلِّد إنجازات «فيسكوفو» الفريدة اهتماماً أقل بكثير من حقيقة أنهم عثروا على كيس بلاستيكي في قاع خندق ماريانا. إنه طريق طويل من الاستعراض الاحتفالي للطيار «تشارلز ليندبيرج»، أول شخص عبر المحيط الأطلسي على متن طائرة.
ولكن على طول الطريق للوصول إلى «أعماق» المحيطات الخمسة، يحدث شيء مثير للاهتمام. لقد تحول الأمر إلى قصةٍ عن كيفية إحراز التقدم – في البداية بشكل متقطع، ثم باندفاع كبير. في النهاية، نفس المميزات التي جلبت ثروة كبيرة لفيسكوفو في عالم الأعمال هي التي سمحت له بالنجاح في هذا المشروع الشاق. إن معرفة متى تأخذ مجازفة محسوبة ومتى توقفها أمر أساسي، لكن التفاصيل الصغيرة مثل تقديم قهوة جيدة للعاملين معك مهمة أيضاً. ربما الأهم من ذلك، أن فيسكوفو كان من الحكمة بما يكفي لمعرفة متى يتراجع ويسمح لأعضاء فريقه المنهكين ولكنهم ما زالوا رائعين بالتنفس وتصحيح أخطائهم.
..................................................
*مؤلفة المشاركة مع «ريبيكا بوكز بوبرتس» لكتاب «طريقك إلى تغيير العالم»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»