ساسي جبيل (تونس)
ما زالت مدينة الجم التونسية، المتراكمة هنا وهناك من ساحل شرق البلاد، والبعيدة حوالي 200 كيلومتر عن العاصمة تونس، وفية لإرثها الروماني الكبير والمتنوع، ومنه المتمثل أساسا في قصرها المصنف ضمن أجمل الرموز المعمارية في العالم، وفي فن الفسيفساء التي تخلّد إلى اليوم آثار واحدة من أهم الحضارات التي مرت بالأراضي التونسية.
ويعتبر قصر الجم أو مسرح الجم الأثري الذي اشتهرت به المدينة، معلماً من أشهر المعالم في العالم، قبل اعتلائه من أشهر الفنانين والموسيقيين العالميين، وخاصة منهم البارزون في السيمفونيات وبفرق موسيقى الجاز، إذ تقام فيه سنوياً مهرجانات وحفلات لأهم الفرق العالمية.
تحفة تاريخية
ولأنه معلم مهم جداً، فإنه ومنذ فترة تأسيسه إلى اليوم ما زال يمثل مركز مدينة الجم ورمزاً من رموزها الرائعة ما جعله يكون قطباً سياحياً بارزاً في تونس، خاصة أنه يعد تحفة تاريخية تونسية ورمزاً معمارياً عالمياً (يوجد مثيل وحيد له في العالم يقع في روما)، وهو ثاني أكبر مسرح في العالم بعد مسرح كولوسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع، وهو ما مهد منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، لإدراجه على لائحة التراث العالمي لمنظمة «اليونسكو».
ويعود بناء هذا المسرح وفق المؤرخين إلى العهد الروماني، حيث أنشأ سكان مدينة تِيسْدْرُوسْ (الجم حالياً) الأثرياء مسرحاً لهم سنة 238 ميلادياً في عهد حاكم مقاطعة أفريكا غورديان الأول (حوالي 159 م – 238 م)، وامتد عصر الإمبراطورية الرومانية من 31 قبل الميلاد إلى 476 ميلادياً.
وحول مدينة «الجم» العريقة، قال الباحث في التاريخ، الدكتور محمد الساسي: لم تعرف هذه المدينة الاسم الحالي لها إلا مع بداية القرن الثامن ميلادي عندما أطلق عليها الفاتحون العرب اسم «الأجم»، وهي كلمة تعني الحصن أو القصر إلا وبحسب خصوصيات اللهجة التونسية تحول الاسم من «الأجم»إلى«الجّم».. وعرفت المدينة باسم قصر الكاهنة في أول العصر الإسلامي كما ذكرها العلامة ابن خلدون، وذلك لتحصن الكاهنة البربرية بالمسرح الروماني الذي يتوسط المدينة والذي تحول لحصن عسكري، كما يحافظ العاملون في فن الفسيفساء بـ «الجم» حتى اليوم، على مميزاته القديمة التي جعلت منه واحداً من أهم الفنون اليدوية عبر العصور .
وأضاف أن: فن الفسيفساء شكل خلال العهد الروماني مرحلة تعبيرية متطورة اعتمدها الناس وسيلة يجسدون بها مشاهد حيَّة من حياتهم في أعمالهم واهتماماتهم اليومية، أو في فكرهم وطقوسهم.
الفسيفساء
وقال الحرفي المختص في الفسيفساء وليد بن عبد السلام: إن التقنية الرومانية في العصر الحالي، لم تعد وحدها المعتمدة في صناعة اللوحات، فالحجارة المستعملة فيما بات يسمى الفسيفساء الدقيقة أصبحت أصغر حجماً، والعمل على إنهاء رسم فسيفسائي صار يتطلب مزيداً من الدقة والجهد.
أما الباحث الثقافي صالح حميدان فأشار إلى أن قصر الجم كان أثناء تأسيسه، مسرح حلبة للمصارعة.