روما (الاتحاد)
اكتسبت شخصية «سوبر ماريو» الخيالية التي أنتجتها شركة «نينتندو»، للمؤلف والمصمم الياباني شيغيرو مياموتو، شهرة عالمية، وباتت من أهم شخصيات ألعاب الفيديو، بل وفي الثقافة المعاصرة، بعدما اكتسبت مغامراته شعبية جارفة في جميع أنحاء العالم، بل وعلى الصعيد العربي، بسبب سهولتها وطرافة الموسيقا التي تصحبها وبحث البطل الدائم عن الأميرة، والذي لم يكن أمراً سهلاً، حيث كان اللاعب غالباً ما يصطدم في الجزء الثالث من كل مرحلة بعد مواجهة «التنين» بعبارة «شكراً لك يا ماريو». وأصبح لقب «سوبر ماريو» يلاحق المشاهير، والساسة، الذين يحتوي أي جزء من اسمهم على «ماريو»، فأطلق من قبل على لاعب كرة القدم الإيطالي من أصل غاني «ماريو بالوتيلي»، وهو لاعب سابق في فريق «مانشستر سيتي». كما أطلق اللقب على رئيس الوزراء الإسباني الأسبق «ماريو راخوي»، وصاحب الإيطالي ماريو دراغي عندما تولى مهمة إنقاذ «اليورو» حينما شغل منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي، في خضم تداعيات الأزمة المالية العالمية وأزمة اليورو عام 2011، وعاد اللقب ليلاحق دراغي مجدداً مع توليه منصب رئيس وزراء إيطاليا.
إنقاذ الأميرة
يبدو أن ماريو دراغي يحتكر حالياً من بين السياسيين لقب «سوبر ماريو» بلا منازع تقريباً، غير أن مهمته أصعب بكثير من مهمة إنقاذ الأميرة التي انشغل بها «سوبر ماريو الحقيقي»، إذ يتعين على دراغي إخراج إيطاليا من أعمق أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، في ظل وباء «كورونا» الذي أودى بحياة ما يربو على 90 ألف إيطالي.
ولد دراغي لأسرة ميسورة الحال في روما، لكنه غادر طفولته مبكراً ودخل عالم الرجولة، إذ توفي والده الذي كان يعمل مديراً في بنك إيطاليا، وهو في عمر الخامسة عشرة، ثم سرعان ما توفيت والدته هي الأخرى. وعن هذا قال دراغي لاحقاً: «أتذكر عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، وعدت لتوي من رحلة على الشاطئ مع صديق، أن صديقي هذا كان بوسعه أن يفعل ما يريد، بينما جلست أنا في المنزل محاطاً بفواتير يتعين علي سدادها». لكنه في المدرسة، ظل محافظاً على تركيزه واجتهاده.
غير أن بعض آثار الصدمة ظلت واضحة عليه، كما يقول زميل دراسته ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي السابق إلى سوريا. ويضيف أن مدرسة «الجزويت»، التي درسا فيها، غرست فيه الشعور بالواجب الاجتماعي والرغبة في رد الجميل للمجتمع، وهو ما ميز مسيرة دراغي المهنية.
موهبة فطرية
بعد حصوله على شهادة في الاقتصاد من جامعة لاسبييزنا في روما ودرجة الدكتوراه من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، قام دراغي، الاقتصادي الشاب حينها بالتدريس في الجامعات الإيطالية قبل تعيينه عام 1991 مديراً عاماً للخزانة الإيطالية.وهناك تولى، إلى جانب مهام أخرى، التفاوض بشأن تبني إيطاليا للعملة الأوروبية الموحدة. وشاركه في لجنة المفاوضات يانيس ستورناراس، الذي كان مكلفاً بملف عضوية اليونان. وأظهر ماريو خبرة فنية وكذلك موهبة فطرية، كما يقول عنه ستورناراس الذي تولى منصب وزير المالية في خضم أزمة ديون اليونان عام 2012، ويتولى حالياً منصب محافظ بنك اليونان.
وأضاف ستورناراس: «بلدانا كانا يعانيان مشكلات جمة، لكنه كان مفاوضاً قوياً لصالح إيطاليا ونصيراً قوياً للمشروع الأوروبي، وكان من الواضح أنه سيحقق الكثير».
وبعد فترة من تولي دراغي منصب نائب رئيس بنك غولدمان ساكس، عُين ماريو دراغي محافظاً لبنك إيطاليا عام 2006، وفي عام 2011 صار رئيساً للبنك المركزي الأوروبي، حيث صار يتعامل بشكل متكرر مع يانيس ستورناراس. وكانت اليونان حينها على شفا التخلف عن سداد ديونها الضخمة، وربما الاضطرار لمغادرة منطقة اليورو.
ويشير ستورناراس إلى أن «ماريو لم يكن مؤيداً للإجراءات التقشفية القاسية، بل كان يركز على الإصلاحات الهيكلية، وخلال اجتماعات الأزمة التي استمرت وقتها لساعات متأخرة من الليل، ظل محافظاً على حس الدعابة».
ورغم ذلك، اشتكى بعض محافظي البنوك المركزية الأخرى، ومصادر في البنك المركزي الأوروبي، مما وصفوه بأسلوب إدارته الذي يفتقر للجماعية وميله للثقة فقط في حفنة من مساعديه.
كما أن عادته في الاختفاء من الاجتماعات لإجراء مكالمة أو التحدث مع مسؤول جعلته يُوصف بـ«الحاضر الغائب».
5 دقائق
في عام 2012، ألقى دراغي كلمة غيرت مسار الأزمة، وتعهد بأن يفعل البنك المركزي الأوروبي «كل ما يلزم للحفاظ على اليورو»، بحسب تقرير نشرته «بي بي سي». وأدى ذلك وما تلاه من سياسات إلى تراجع مطرد في تكاليف الاقتراض للدول الأعضاء في منطقة اليورو المثقلة بالديون ومن بينها إيطاليا، فأُطلق عليه لقب «سوبر ماريو». وحين غادر البنك المركزي الأوروبي بعد ثماني سنوات من توليه المنصب، سُئل دراغي عن خطوته المقبلة، فأجاب قائلاً: «عليك أن تسأل زوجتي».
غير أن حتى زوجته سيرينا لم تكن لتتوقع الأزمة التي أطاحت بجوزيبي كونتي من رئاسة الوزراء في إيطاليا الشهر الماضي، وأن الاختيار سيقع على زوجها ليقود الحكومة الإيطالية السابعة والستين منذ الحرب العالمية الثانية.
وينصب تركيز ماريو دراغي، حالياً، كرئيس للوزراء على الحصول على أكثر من 200 مليار يورو من أموال صندوق الإنعاش الأوروبي، فيما يمثل أكبر فرصة لإحداث تحول في إيطاليا منذ خطة مارشال في خمسينيات القرن الماضي.
ويُقال إن ماريو دراغي يضبط ساعته مُقدماً إياها خمس دقائق، حفاظاً على الدقة في المواعيد. والواقع أنه لن يكون لديه الكثير من الوقت ليضيعه حتى يعيد بناء بلده، فهل ينجح «سوبر ماريو» في إنقاذ إيطاليا مثلما أنقذ اليورو من قبل؟
«ماريو الإسباني»
ماريانو راخوي، أو ماريو راخوي، سياسي محافظ تولى رئاسة وزراء إسبانيا في خضم سلسلة أزمات، بداية من عام 2011، وتنوعت الأزمات ما بين البطالة والانكماش الاقتصادي إلى محاولة انفصال إقليم كاتالونيا.
لكن يبدو أن «سوبر ماريو» الإسباني أخفق طوال السنوات الثماني، في مغامراته السياسية، حيث أقر بهزيمته قبيل جلسة برلمانية للتصويت عن حجب الثقة عن حكومته في 2018، ليحل محله الزعيم الاشتراكي بيدرو سانشيز، بسبب قضية فساد مستمرة منذ وقت طويل وتشمل أعضاء في حزبه الحاكم.