سعيد ياسين (القاهرة)
يمتلك الفنان الراحل يوسف شعبان الذي غيبه الموت عصر أمس «الأحد» رحلة فنية متميزة كماً وكيفاً، حيث قدم منذ بداية عمله بالفن عام 1961 مئات الأعمال الناجحة، سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، وحتى آخر مشاركة له في مسلسل «ملوك الجدعنة» مع مصطفى شعبان وعمرو سعد والمقرر عرضه في رمضان المقبل.
ولم تحصره ملامحه في نوعية أدوار معينة، رغم أن بدايته انحصرت في أدوار الفتى الشرير، وكان مضطراً لقبوله كي لا يتوقف عن العمل، ولم يخش من تقديمها رغم خوف زملائه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي منها.
وشارك في العديد من المسلسلات التاريخية والدينية، وجسد من خلالها العديد من الشخصيات البارزة، منها شخصية المتحدث بلسان النبي موسى عليه السلام في مسلسل «محمد رسول الله»، وشخصية آخر ملوك الأندلس «الناصر الحاكم» في مسلسل «فتى الأندلس»، و«حاكم الموصل» في مسلسل «الطريق إلى القدس»، ورسول الإسلام إلى ملك الروم في «الطريق إلى سمرقند»، و«بطليموس الثاني عشر» في مسلسل «كليوباترا».
وكان عمله النقابي كنقيب للمهن التمثيلية لدورتين متتاليتين من 1997 حتى 2004 مثمراً للغاية، حيث تأسس في عهده نادي للأعضاء على نيل القاهرة، وهو في حديث سابق لـ «الاتحاد» أكد أنه وجد في العمل النقابي متعة كبيرة.
وقال «يمكنك من خلاله المساعدة وإعطاء جزء من الدين الواجب عليك، ولا أبالغ إن قلت إن متعتي وأنا أخدم زملائي لا تقل عن متعتي وأنا أمثل أحد الأدوار، والحمد لله خلال وجودي على مقعد النقيب أنجزنا أموراً كثيرة، كان أبرزها تسديد ديون النقابة التي بلغت وقتها أربعة ملايين ونصف المليون جنيه، كما حصلنا على مقر للنقابة على كورنيش النيل في الجيزة يليق بريادة الفنان المصري وكيانه في المنطقة العربية.
تعاون عربي
وكان من أكثر الفنانين مطالبة بضرورة الاستعانة بالفنانين العرب في الدراما المصرية، حيث قال «كنت أنوي أثناء عملي نقيباً للمهن التمثيلية تصميم بطاقة موحدة لجميع الفنانين العرب، وأرحب بكل تعاون يحدث بين الفنانين العرب لأننا كلنا أسرة واحدة، وأؤيد وجهة النظر التي تدعو إلى التعاون، خصوصاً أن تاريخ الدراما في مصر يؤكد هذا الأمر، كما حدث مع نجيب الريحاني، وفريد الأطرش، وأسمهان، وفايزة أحمد، وآخرين، ذلك أن مصر تفتح ذراعيها دائماً لكل الفنانين العرب».
سير ذاتية
واللافت أن شعبان رغم تقديمه العديد من أعمال السير الذاتية، إلا أنه لم يكن مع دراما السير الذاتية، خصوصاً تلك التي لا يزال أصحابها ماثلين في عيون وقلوب وعقول الجمهور، وكان يعتبر ما يحدث متاجرة بسير الفنانين، تتم للمكسب السريع والمضمون على حساب أي شيء آخر سواء من ناحية التأليف والإخراج أم الأداء.
بطالة
وتزايدت خلال السنوات الأخيرة من حياة شعبان شكواه من عدم الاستعانة به وزملائه في الأعمال الفنية، وهو كان يعتبر نفسه محظوظاً لكونه عاش فترة في ستينيات القرن العشرين، وهي الفترة التي كان يقدم فيها مئة فيلم في العام الواحد، ويقول عنها «كان الجو مختلفاً تماماً من الستينيات إلى أواخر السبعينيات من القرن العشرين، ومن أقواله « ان الفن للفن وليس تجارة»، وكانت العلاقات طيبة بين الفنانين، وكان هناك كُتاب كبار يحفزون الممثلين والمخرجين على إخراج كل طاقاتهم ومواهبهم.
تاريخ طويل
ويذكر أن شعبان المولود في حي شبرا في القاهرة في 16 يوليو 1931، قدم أكثر من 300 فيلم ومسرحية ومسلسل، من بينها نحو 150 مسلسلاً تعد علامات في الدراما العربية، ومنها «عيلة الدوغري»، و«المال والبنون»، و«ليالي الحلمية»، و«رأفت الهجان» و«الوتد» و«العائلة والناس»، و«التوأم»، و«السيرة الهلالية»، و«على باب مصر»، وأكثر من 90 فيلماً، منها «في بيتنا رجل»، و«أنا الهارب»، و«المعجزة»، و«زقاق المدق»، و«بياعة الجرايد»، و«أم العروسة»، و«الراهبة»، و«مراتي مدير عام»، و«معبودة الجماهير»، و«الرجل الذي فقد ظله»، و«ميرامار»، و«المذنبون»، و«دائرة الانتقام»، و«زائر الفجر»، و«آه يا ليل يا زمن»، و«المرأة الحديدية»، و«قضية سميحة بدران»، و«كشف المستور» وغيرها.
«صاحب بصمة لا تنسى»
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي عقب وفاة الفنان يوسف شعبان إلى ما يشبه سرادق عزاء كبير، حيث أجمعوا على أنه كان يتصف إنسانياً بالشهامة والمواقف النبيلة والطيبة، كما امتلك على الصعيد الفني قدرات وموهبة كبيرة أهلته لتقديم أعمال كثيرة ومتميزة وترك من خلالها بصمة قوية على الفن العربي.
وكتب الفنان نبيل الحلفاوي على صفحته على «تويتر»:رحل يوسف شعبان ومعنا سيبقى سلامة فراويلة وحافظ رضوان ووهبي السوالمي ومحسن ممتاز وغيرهم أحياء من جيل إلى جيل.
أما مصطفى شعبان فنعاه بقوله: عندما ترحل القامات ولا ترحل، بل تبقى محفورة في وجدان الكثيرين، اللهم اكرمه وأحسن مثواه.
وكتب حيث كتب النقاد طارق الشناوي على صفحته على موقع التواصل «فيس بوك»: وداعاً الفنان الكبير يوسف شعبان... صاحب بصمة لا تنسى في حياتنا الفنية.
أما الناقد محمود عبدالشكور، فكتب قائلاً: وداعاً يوسف شعبان صاحب الأدوار المتنوعة والجيدة، من «زقاق المدق» و«ميرامار» إلى «عيلة الدوغري»، و«رأفت الهجان»، ودور حافظ في «الشهد والدموع» بكل تفاصيله وتحولاته من أدواره التي لا تنسى.
وكتب المؤلف محمد جلال عبدالقوي الذي تعاون مع الراحل في مسلسل «المال والبنون» بجزأيه الأول والثاني و«هالة والمستخبي»: الصديق الفنان الإنسان يوسف شعبان، رحمك الله رحمة واسعة وجعل مثواك الجنة، وكتب المؤلف محمد سليمان عبدالملك: محسن ممتاز، حافظ رضوان، سلامة فراويلة في ذمة الله.
وكتب المؤلف عبدالرحيم كمال: رحم الله الفنان المصري الكبير يوسف شعبان محسن ممتاز ضابط المخابرات الأشهر في الدراما، والأخ «حافظ» في «الشهد والدموع»، وغريم عبدالحليم حافظ في «معبودة الجماهير»، وأحد نزلاء بنسيون «ميرامار»، والذي قدم الموظف الفاسد في مجتمع ما بعد ثورة يوليو، وصاحب الدور الأجرأ على الإطلاق في «حمام الملاطيلي»، و«وهبي السوالمي» في «الضوء الشارد»، و«الابن الأكبر» في «الوتد»، ومئات الأدوار والشخصيات التي أداها بتميز وخصوصية.