ساسي جبيل (تونس)
تبعد قرية «تكرونة» الأمازيغية 5 كيلومترات عن مدينة النفيضة التابعة لمحافظة سوسة الساحلية «وسط شرقي البلاد»، و100 كيلو متر جنوب تونس العاصمة، وتحيط بها غابات الزيتون والأراضي الزراعية الواسعة من جهات مختلفة، ولا تزال تسكنها بعض العائلات الأمازيغية التي تشبثت بموطن أجدادها رغم صعوبة تضاريسها والحياة فيها، ما جعلها تكون قرية ليست ككل القرى في تونس، حيث احتفظت على طابعها الخاص، لتبقى صفحة خالدة من التاريخ.
وتعد «تكرونة» من أقدم القرى الأمازيغية، ويعتبرها المؤرخون من آخر المواقع التاريخية في الشمال التونسي، التي ترمز إلى حضارة الأمازيغ التي استمرت حسب بعض الدراسات، آلاف السنين في منطقة المغرب العربي.
على مرّ العصور
وتتميز القرية عن بقية المواقع الأمازيغية الأخرى، التي اندثر بعضها ولم يعد له أثر، بوجودها فوق تلّة صخرية صلبة حافظت على تماسكها على مرّ العصور وصمدت أمام قسوة الطبيعة وانتهاكات الإنسان. وفوق هذه التلة المرتفعة قياساً مع الأرض، تظهر منازل قديمة متلاصقة لا تزال متماسكة في مساحة ضيّقة وعلى مستويات مختلفة الارتفاع وقد أضحى بعضها مهجوراً لصعوبة ترميمه، وبعضها الآخر يبدو منحوتاً بشكل مذهل يخطف أنظار المارين من جميع الاتجاهات.
ورغم أن القرية كانت مسرحاً لمعارك عنيفة، خلال الحرب العالمية الثانية «1939 - 1945»، إلا أنها اليوم لم تعد موقعاً للتمركز العسكري، كما كانت سابقاً، بل أصبحت وجهة مميزة للسياحة الثقافية تقصدها رحلات سياحية جماعية سنوياً لسياح من جنسيات مختلفة منهم من زارها سابقاً وانبهر بجمالها وأبى إلا أن يعود إليها مرة أخرى، ربما مصطحباً معه بعض أصدقائه وأفراداً من عائلته ليتقاسم معهم متعة التجول في هذا المكان النادر، جغرافياً وتاريخياً ولالتقاط صور للذكرى.
وما يجب أن يعرفه زائر «تكرونة»، هو أن الصعود للوصول إليها يمر عبر مدرج تحيط به الصخور الكبيرة ونبتة «الصبار» إلى جانب مسالك أخرى قد لا يعرفها غير أهل القرية جيداً وجميعها تقود إلى أعلى التلّة، حيث توجد المساكن القديمة وضريح «سيدي عبدالقادر» الذي يصفه السكان بـ «الولي الصالح».
كرم الضيافة
من جهة أخرى، فإن «تكرونة» لم تستقطب اهتمام السياح العرب والأجانب منهم فقط بقدر ما حظيت أيضاً باستحسان وإعجاب المخرجين السينمائيين والتلفزيونيين الذين حرصوا على تصوير مشاهد من أفلامهم وإنتاجهم التلفزيوني في محيط القرية وداخل أزقتها الضّيقة ومبانيها القديمة.
والمعروف عن «تكرونة» أيضاً هو كرم الضيافة، الذي يعزز روعة القرية ويعد صفة يتميز بها أهلها الذين يعود أغلبهم إلى جذور أمازيغية، ما جعل طريقة ترحيبهم بالزائرين تكون بمثابة التعبير الصادق عن عشقهم الكبير لقريتهم، ولذلك تراهم يبادلون كل من يزورها مشاعر الودّ والمحبة، حيث وبمجرد التنبه لوجود زوار، تسرع النساء في تقديم خبز الطابونة الساخن (والطابونة هي فرن تقليدي من الطين) وزيت الزيتون إلى الضيوف.
وقال مبروك بن سالم، من أبناء المنطقة: «لا تزال القرية تحتفظ بالعادات الأمازيغية وبالمطبخ الأمازيغي، حيث لا تزال نساء القرية تخبز خبز الطابونة، بالإضافة إلى طهي الأكلات الشعبية كالمحمصة والكسكس، التي تصنع في البيوت من مشتقات الحبوب». وأضاف مبروك، أنه يخشى على طابع «تكرونة» العتيق والتاريخي من إسالة جمال القرية لعاب المستثمرين الذين أقبلوا على شراء المنازل القديمة والمهجورة قصد تحويلها إلى مشاريع سياحية مربحـة.