السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

موسوليني.. قلة اهتمام.. كثرة جرائم

موسوليني.. قلة اهتمام.. كثرة جرائم
30 يناير 2021 00:04

أندرو ناجورسكي

استولى بينيتو موسوليني على السلطة في إيطاليا في نهاية عام 1922، فأصبح أول زعيم فاشي في أوروبا. وكان أدولف هتلر في ذاك الوقت شخصاً مغموراً في حزبه النازي الناشئ في ميونيخ، وكان بحاجة إلى عقد آخر، ليصبح في وضع مشابه للاستيلاء على السلطة في ألمانيا، لكن في كتب التاريخ الكثيرة عن الفاشية والحرب العالمية الثانية، حظي هتلر وآلته الحربية بكل الاهتمام، بينما جاء موسوليني ودور قواته المسلحة في مرتبة ثانوية.
في كتاب «حرب موسوليني: إيطاليا الفاشية من الانتصار إلى الانهيار: 1935-1943»، ركز جون جوتش، وهو مؤرخ بريطاني متخصص في العسكرية الإيطالية، على موسوليني وقواته. وجاءت النتيجة في صورة سجل مستفيض في تفاصيله عن محاولات قوة المحور الأصغر في لعب دور أكبر من حجمها وعن طموحها غير الواقعي في الصراع العالمي. ويبرز الكتاب الإخفاقات المتعددة لقيادة موسوليني، التي أدت إلى الإطاحة به عام 1943 وإعدامه المشين على يد بني جلدته في نهاية الحرب، حين تُركت جثته معلقة دون دفن في ميلانو، إلى جانب جثة عشيقته. 
وبينما يظهر هتلر باعتباره شراً خالصاً، تُوجه عادة اتهامات أقل إلى موسوليني بالرعونة والتهريج. لكن الزعيم الإيطالي شارك نظيره الألماني سمات كثيرة، أبرزها الخداع. فقد تحدث هتلر عن «مساحة العيش» لشعبه التي تُأخذ بالغزو. وتحدث موسوليني عن الشيء نفسه. واستغل هتلر مشاعر الإهانة لدى أبناء وطنه المهزومين في الحرب العالمية الأولى. وبينما كانت إيطاليا في الجانب المنتصر في الحرب العالمية الأولى، استغل موسوليني الكبرياء الجريح لبني وطنه حين تحداهم بمقولة قديمة تؤكد عدم تحمل الإيطاليين القتال.

وكان هتلر يعتقد أن استراتيجيته في «الحرب الخاطفة» تسمح لقواته بالهيمنة على الأعداء الأكبر قبل حشد كل مواردهم. وكان موسوليني لديه مصطلح إيطالي مشابه. وكتب جوتش، مؤلف الكتاب، موضحاً هذه الاستراتيجية: «العدو يلقى الهزيمة بمزيج من السرعة والمفاجأة والمناورة». 
وكان بوسع الطاغيتين التفاخر بتحقيق نجاحات في بدايات الأمر. ففي عام 1935، أرسل موسوليني قواته إلى إثيوبيا، وأخضع البلاد التي تزيد في المساحة على فرنسا وألمانيا معاً. وفي السابع من أبريل 1939، غزت إيطاليا ألبانيا، حرصاً من موسوليني على ألا تقل انتصاراته عن انتصارات هتلر وضمه الذي لم يجد معارضه للنمسا وتفكيك تشيكوسلوفاكيا. ثم، وقعت الحكومتان الفاشيتان «حلف الصلب» (ميثاق الصداقة والتحالف بين ألمانيا وإيطاليا) للدفاع المشترك ضد كل الأعداء، لكنه كان حلفاً مختلاً وظيفياً منذ البداية. 
وبينما كان موسوليني يتوق لأن يثبت نفسه باعتباره غازياً عظيماً، كان يعلم أن بلاده ليست مستعدة لصراع كبير. فقد أرسل أحد جنرالاته إلى برلين برسالة مفادها أن جيشه بحاجة إلى ثلاث سنوات أخرى على الأقل من السلام ليقوم بالاستعدادات الضرورية، لكن حين عزز هتلر ضغوطه على بولندا، صدرت عن موسوليني رسائل متناقضة. فقد أخبر السفير البريطاني في روما أنه سيدعم ألمانيا إذا أبرت لندن بوعدها بالوقوف إلى جانب البولنديين. وفي المقابل، حث وزير الخارجية الإيطالي جاليزو تشيانو نظيره الألماني «يواكيم فون ريبنتروب» على تجنب إثارة حرب مع القوى الغربية. 
ولم يحد هتلر عن عزمه، فقد قرر بالفعل غزو بولندا، أملاً في تراجع بريطانيا وفرنسا مرة أخرى، كما فعلا في تشيكوسلوفاكيا. وبدلاً من إعادة التفكير، شعر موسوليني أن ليس لديه خيار إلا الوقوف إلى جانب ألمانيا، ومادام الحال هكذا، فكان عليه أن ينتهز أي فرصة يقدمها الصراع الأكبر، بما في ذلك فرص يوغوسلافيا واليونان. وكتب جوتش يقول: «أصبح من الواضح بالفعل أن شهية موسوليني تتفوق بشكل خطير على الوسائل اللازمة لإشباعها». 

تعطش للمجد
بسبب تعطشه للمجد والإمبراطورية، تخلى موسوليني إلى حد كبير عن الحسابات العقلانية، بإرسال قواته إلى معارك بعيدة في البلقان وشمال أفريقيا والاتحاد السوفييتي، بينما قاتلت السفن والغواصات الإيطالية لتأمين طرق الإمداد الحيوية. وحقق الإيطاليون بعض الانتصارات، لكن عادة تم التفوق عليهم في السلاح والجنود والخطط. وأكد جوتش: «لم يكن موسوليني يفهم الاستراتيجية العسكرية أو كان يفهمها بشكل ضعيف ولم يكن يفهم بالمرة الاستراتيجيات الكبيرة». وكان موسوليني يعتقد أن أي ضعف يمكن التغلب عليه بقوة الإرادة. وكان هتلر أفضل استعداداً في بداية الحرب، لكنه وقع أيضاً في خطايا الإفراط في التوسع والإسراف في الثقة، كما قوض بالطبع قضيته بسياسته في الإرهاب والقتل الجماعي بلا كلل في الأراضي التي غزاها. 
صحيح أن قوات موسوليني لم ترتكب جرائم على نطاق واسع مثل نظرائهم الألمان، لكن «جوتش» لم يترك شكاً في أنها كانت متورطة بقوة فيها. فقد وصف جندي إيطالي في سلوفينيا الطريقة التي حرقت بها وحدته منازل الفلاحين ونقلت الحيوانات، وعاقبت الفلاحين حين حاولوا التصدي لهم «تماماً كما علمنا الألمان». وفي روسيا، سلم الإيطاليون اليهود والحزبيين إلى الألمان. لقد أدرك موسوليني قبل هتلر أنه يخوض معركة خاسرة ضد الاتحاد السوفييتي، وحثه على محاولة التوصل إلى سلام من جديد مع ستالين. لكن كان قد فات أوان إبرام اتفاق سوفييتي نازي آخر أو أي عمل إنقاذ في اللحظة الأخيرة. لقد كانت إيطاليا قوة «المحور» الأولى التي سقطت قبل ألمانيا واليابان. ويؤكد جوتش أن قيادة موسوليني الكارثية لم تدع مجالاً لأي نتيجة أخرى.

الكتاب: حرب موسوليني: إيطاليا الفاشية من الانتصار إلى الانهيار: 1935-1943
المؤلف: جون جوتش
دار النشر: بيجاسوس
عدد الصفحات: 532
أندرو ناجورسكي: كاتب أميركي ونائب رئيس ومدير العلاقات العامة بمعهد «إيست وست» البحثي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©