خولة علي (دبي)
تشهد العمارة تحولات سريعة في الفترة القادمة، تكشف عن تفاصيل بنائية محورها الطبيعة وعملية التشجير، وذلك رغبة في تحقيق التوازن البيئي، وجعل المكان متنفساً صحياً ونفسياً آمناً للأفراد، في ظل رحلة العزلة التي شهدناها في عام 2020.. ولتجاوز تلك التداعيات، خرجت التصاميم المعمارية برؤية هندسية قائمة على المساحات المفتوحة، وجلب الطبيعة إلى حضن الحياة المعيشية، حيث تبرز الكثير من المشاريع، سواء السكنية والمتاحف والمؤسسات التعليمية، وغيرها، من الرؤية والفكرة التقليدية، إلى مساحات تكشف عن تفاصيل غارقة في الإبداع والرفاهية الخلاقة.
وللتعرف على مفهوم العمارة ومستقبله، قال أحمد سكر أستاذ مساعد، في قسم الهندسة المعمارية بجامعة الشارقة: مع أن العمارة من أبطأ الفنون سرعةً بالتأثر والتغير إذا قارناها ببقية الفنون البصرية، فإن المتوقع أن تشهد تحولاً سريعاً بعد جائحة كورونا خلال العام الجديد وما يليه من أعوام.. فالعمارة بمفهومها العام، تجسد تفاعل المجتمعات في أحجامٍ وكتلٍ كبيرةٍ نسبياً، يستغرق تصميمها وبناؤها مراحل ذات مدد في التعلم الأكاديمي والممارسة المهنية والتخطيط الفني والتنفيذ التقني، ورصد الميزانيات، وتعاون مجموعة كبيرة من الاختصاصات، لا يمكن عادة تغييرها بشكل مفاجئ، حيث إنها مبنية على أساس بعضها مع الزمن.. لكن خطورة الوباء وأثر العمارة والعمران على سرعة انتشاره قد يتطلب تسارعاً غير معهود، ليس فقط في طريقة توزيع الأبنية في المدن والفراغات داخلها، بل في مفهوم العمارة والعمران نفسه، وطريقة العيش في المدن والأرياف.
مفهوم السكن
وأضاف: الأوبئة التي تتطلب تباعد الناس وتخفيف الكثافة، خصوصاً في الأماكن العامة، من أكبر التحديات التي تواجه العمارة والعمران والتخطيط المديني.. وبينما يرى بعض الباحثين أن الجائحة ستغير بشكل كلي مفهوم السكن وشكل المدينة وطريقة تفاعل الناس مع بعضهم في مختلف الفراغات الاجتماعية الخاصة والعامة، يرى آخرون بعض المبالغة في هذه الرؤية، خصوصاً من الناحية الطبية. أي أصبح مستقبل العمارة والعمران مرتبطاً بشكل مباشر بسرعة التطورات التكنولوجية الخاصة بتطوير اللقاحات والمناعة والرهان على إمكانية العودة للحياة الطبيعية ما قبل كوفيد-19. كما سيتم استحداث مساحاتٍ جديدةٍ في خريطة البناء لتحقيق التباعد الاجتماعي.
ويؤكد، ربما يكون التركيز في ابتكار حلول داعمة على تطوير أنظمة التهوية، خصوصاً في الأبنية القائمة، والتفكير بشكل أكثر جدية بطرق تحقيق التهوية الطبيعة، كما في العمارة التقليدية ذات الأبنية المنخفضة.
فن الدمج
ويشير المهندس المعماري عمران العويس إلى دراسات تم وضعها حول تأثر العمارة وتغيرها، ولكن هذه التغير لا يمكن أن يتم بهذه السرعة، فهي بحاجة إلى مدة لا تقل عن خمس سنوات، من خلال أسس وقوانين لا يمكن تجاوزها، ودراسات وبحوث لابد من تجربتها ومعرفة أبعادها السلبية.
وقال: هناك تغيير في متطلبات الحياة بالمساكن في الوقت الراهن، نتيجة لما فرضته كورونا من مفهوم التباعد الاجتماعي، والعمل عن بعد، فبلا شك ستحتاج العمارة والمنازل على وجه الخصوص إلى استيعاب أكبر قدر من الخدمات والوظائف، وستكون هناك مساحات متخصصة لعدد أكثر من الأنشطة، إلى جانب مساحات للعمل عند بُعد، التي يشترط فيه الهدوء وضع مواد بنائية عازلة ومانعة للصوت، كما يمكن أن تشغل أجزاء من الفراغات والمساحات للقراءة والقيلولة والنشاط البدني والترفيه، بدلاً من التفكير بشغلها بالديكورات.
وأضاف: نرى الواجهات الزجاجية أخذت مساحات هائلة من المشاريع بأنواعها، لتضفي جمالية على المكان، عدا عن أنها تعطي شعوراً بالاتساع وامتداد الرؤية، فلم تعد الخرسانات الإسمنتية متواجده بكثرة في المشاريع المعمارية، نتيجة لتنوع مواد البناء وإنتاج مواد جديدة بتقنيات قادرة على التشكيل، وأن تحقق الكثير من الأفكار المبتكرة في فكرة البناء المستقبلي، كما نشاهده في الكثير من الصروح، كاستخدام الكتلة المائلة والمستويات المتداخلة في البناء، وبواجهات زجاجية.
تفاصيل البناء
وأوضحت المصممة الداخلية رشا عبدو أن السنوات القادمة ستكشف الكثير من الأفكار التي تصب في كيفية ربط مختلف المشاريع بالطبيعة، التي أصبحت جزءاً هاماً في تفاصيل البناء المعماري وأيضاً التصميم الداخلي، وكيفية خلق بيئة قادرة على جلب رفاهية الحياة للأفراد، في مختلف المحطات.
وقالت إن التصميم الداخلي عادة ما يقدم حلولاً سريعة لكافة الظروف، ففي كل عام تظهر أفكار لتصاميم داخلية بروح متجددة تواكب شكل ومظهر وألوان الموضة التي تعلن عنها معاهد الموضة المتخصصة، وتسير في خط واحد لتتوافق مع شكل العمارة وطرازه، فهناك ارتباط وثيق فيما بينها، لا يمكن استبعاده، نهائياً، فلابد من ارتباط الخارج مع الداخل، ومدى توافق المكان مع متطلبات الأفراد المعيشة، وهو جوهر المكان وأساسه.
وأضافت: لا يمكن أن نقول إن التصميم الداخلي لم يتأثر بالظروف التي طالت حياة الناس، لذا ينبغي على المصممين الاستجابة لها من خلال تقديم حلول تتماشى مع التباعد الاجتماعي والعمل عن بعد، وجميع التغييرات الأخرى المرتبطة بالظروف التي عشناها في العام 2020، وجدنا أنفسنا نقوم بالكثير من التغييرات في غرف النوم الاحتياطية وغرف الطعام، بهدف إضافة مساحات عمل داخل المنازل لأشخاص لم يفكروا من قبل في حاجتهم إلى هذا الأمر، وهذا الأمر قد يغير في خريطة البناء المعماري في السنوات القادمة.
ونصحت بعدم التهاون في الألوان التي تعتبر جزءاً مهماً لإيجاد قفزة نوعية في المكان، من خلال إضاءة المبنى وإضفاء عليه أجواء مشرقة، تجلب الشعور بالهدوء إلى مساحات المعيشة الخاصة بهم، لافتة إلى انتشار الألوان المحايدة والهادئة مثل الأبيض والأزرق والأخضر في المفروشات المنزلية، التي تعطي النفس شعوراً بالراحة والاسترخاء والهدوء.
استغلال أسطح المباني
يؤكد الدكتور عماد صلاح مشتهى، من قسم الهندسة المعمارية في جامعة الشارقة، أن التوزيع العادل للخدمات وحسن استخدام الحيز الفراغي بين المباني، مع استغلال أسطح المباني للزراعة الحضرية، يعزز الأمن الغذائي والصحة النفسية والبدنية للسكان، مما يساعد على تقوية المناعة، ويعيد اتصال الساكن مع الطبيعة طبقاً لخصائص التصميم.
وقال: مع تطور المدن سريعاً، بات الناس يقضون معظم أوقاتهم في أعمالهم خارج المنزل، فترتب على ذلك، فقدان قيمة المسكن، فبات سلعة للبيع والشراء. لم يتصور ذاك المجتمع الذي كان يقضي أكثر من ثلثي وقته خارج المسكن أن يحشر فيه، فأصبح المسكن متعدد الاستخدام، مكتباً ومشفىً وغيره.
وقال: من خلال فريق بحثي قمنا بعمل دراسة لاستشراف مستقبل التعليم، لعينة من 1713 طالباً في إحدى الجامعات الإماراتية، فلوحظ أن ما يقارب 76 % أيدت التعليم المدمج، والتي بدورها ستتطلب توفير بيئة مكتبية مناسبة في المنزل.
وأضاف: حل هذا التحدي يكمن في توفير وحدات كبسولية متحركة للنشاط اليومي والليلي، بما لا تزيد على 5 أمتار مربعة للشخص الواحد، فهي تحل محل غرف النوم والمكتب، وقد تتحول هذه الفراغات إلى فراغات استشفائية في حالة الإصابة.. وحتماً يتم تزويد الوحدة الكبسولية بأحدث التقنيات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التعقيم المستمر بأحدث التقنيات. لتحسين الصحة النفسية والبدنية للسكان، لابد من اشتمالها في قوانين المباني الخضراء وتحديد قياساتها.