هناء الحمادي (أبوظبي)
مهنة التمريض تسهم في سلامة الفرد روحياً وعقلياً وجسمانياً، وذلك بتقديم العناية للمريض والتثقيف الصحي للجميع، وهي مكملة لعمل الطبيب، ونظراً لأهمية دور الممرضين، تم تخصيص يوم 12 مايو من قبل المجلس الدولي يوماً دولياً للاحتفال بالممرضين، والذي يصادف هذا العام 19 رمضان، والاحتفاء بالمهنة بشكل عام في جميع أنحاء العالم، فهم الذين يخدمون المرضى يومياً، يضحون بحياتهم وراحتهم وسعادتهم من أجل أن ينعم غيرهم بالصحة.
وفي هذا اليوم، ومع وقوفهم أمام جائحة «كورونا» التي عصفت بالعالم، نرفع لهم القبعات، ونؤدي لهم كل التحية، لأنهم لا يألون جهداً لنشر السعادة في قلوب الجميع، ورسم الابتسامة على وجوه المرضى في المستشفيات.
تضحيات الواجب
تؤكد الدكتورة صفاء المصطفى، المدير التنفيذي للتمريض في مدينة خليفة الطبية: «أفتخر بأنني ممرضة، عملت في خط الدفاع الأول، ووضعت لمسات الرحمة والعناية لكل طفل ومسن، وأخت وأخ وقريب وبعيد، حيث كرست حياتي لهذه المهنة، وطورت نفسي وعملت في تخصصات عدة، وارتقيت في مجالات مختلفة في حياتي العملية والعلمية».
وعن دورها في مكافحة جائحة «كوفيد- 19»، تقول: «سعيدة وفخورة أنني كنت ومازلت أعمل للتصدي لهذه الجائحة العالمية، بوضع الخطط وإعداد العدة لدعم الممرضات نفسياً ومعنوياً، بإرشادهن ووقوفي معهن، ليس كمدير، بل كجدار دفاع، كنت لهن المثال الحي بوجودي معهن بين مرضى الكورونا، كنت أستمع لهن، وآخذ بيدهن، وأعطيهن الحماس والثقة بالنفس»، مضيفة: «اليوم دورنا أكبر ومهنتنا أعظم، نحن لسنا فقط خط الدفاع الأول، بل نحن العمود الفقري لأي منشأة صحية، نحن القلب النابض، عملنا أساس لشفاء كل مريض». وتضيف: «من خلال وجودي في هذه المهنة تضحياتنا كبيرة من أجل الوطن، تخلّينا عن حياتنا الاجتماعية وأسرنا لنحميهم، بعدت عن والدي المسن، خوفاً عليه، وزياراتي له صارت محدودة، عملي أخذني من عائلتي، مرّت عليّ أيام كنت أتمنى أن أطبخ لأولادي وجبة يطلبونها مني، ولكني كنت أخشى أن أكون حاملة للفيروس، بحكم وجودي بين المرضى في الأقسام لإعطاء الموظفين الطاقة الإيجابية، ضحيت بعاطفتي وحناني لوالدي وأولادي فداء لهذا الوطن».
وتتابع: «أجريت الفحص وكان سلبياً، فشعرت بسعادة كبيرة، وذهبت لأولادي لأعد لهم وجبة لذيذة، وإلى الآن بين وقت وآخر، أقدم شيئاً بسيطاً لعائلتي، فاليوم علينا أن نكرس كل وقتنا لهذا العمل الإنساني لدعم الوطن، فنحن جنود هذه الحرب الصامتة، ودورنا وضع استراتيجيات الدفاع الأول، ودراسة الخطط والعمل على التوجيه، والتأكد من جاهزية الأقسام والأجهزة والقوى البشرية المتدربة وذات جاهزية خاصة، لرعاية كل الحالات الحادة وذات العناية المتوسطة والعناية المركزة، وقادرة على العمل بوضع آلية وخطط مدروسة لتأهيل ممرضات المستشفى». وتؤكد: «هذه سنة مميزة، فالعالم كله يدعم، ويقدر، ويشكر العاملين في هذه المهنة، ما أمدّنا بجرعة سعادة فائقة»، مضيفة: «وفي يومنا العالمي نؤكد للعالم بأننا صامدون وموجودون لرعايتكم وحمايتكم، ولا تشلون هم».
أهمية كبيرة
من جهتها، تقول سماح محمد محمود، نائب مدير تمريض تنفيذي لدائرة التمريض في شركة أبوظبي للخدمات الصحية - صحة: «في عهد جائحة «كورونا» وبعد تهاوي نظم صحية حول العالم، اتضح أن مهنة التمريض على رأس كل التنظيمات الصحية والإدارية والوظيفية داخل المستشفيات، بل والمنشآت الأخرى التي تحولت إلى أماكن لرعاية مرضى كورونا، ونحن حين نقول اليوم «الفريق الطبي»، إنما نقصد «الأطباء والتمريض»، إضافة إلى الفنيين المساعدين، فالتمريض عنصر مهم وأساسي من عناصر أي فريق طبي».
وتضيف: «برزت أهمية مهنة التمريض كخط دفاع أول في معركتنا ضد كورونا، وقد رأينا خلال أزمة الوباء أهمية دور الممرض ووظائفه ومسؤوليته، ليس فقط لرعاية النواحي الجسمانية والنفسية والاجتماعية للمريض، بل لتعليم المريض وأسرته الإرشادات اللازمة للوقاية من المرض، وتعليم الفئات الأخرى من هيئة التمريض والكوادر الصحية المختلفة والمجتمع، بأساسيات الوقاية من عدوى «كورونا» وكيفية اتباع الإرشادات، وتطبيق الخطة التشغيلية للمستشفيات والمنشآت الأخرى القائمة على رعاية الفرد والأسرة والمجتمع».
وتؤكد: «في زمن كورونا برز دور الممرض في الصف الأول، وأثبت للعالم كله أن التمريض من المهن السامية والنبيلة، حيث إن الممرض هو من يراعي المريض مباشرة، وجهاً لوجه، لساعات طويلة من دون كلل أو ملل، معرضاً حياته للخطر في سبيل الواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقه».
وتعد سماح من أوائل المواطنين الحاصلين على دبلوم التمريض العالي في العام 1995، وأول ممرض مواطن يعمل في مستشفى الطب النفسي آنذاك، ومن ثم حصلت على دبلوم موارد بشرية في العام 1999، وبعدها التحقت ببرنامج «التجسير للتمريض» في جامعة الشارقة للحصول على درجة بكالوريوس تمريض، ونالتها مع مرتبة الشرف في العام 2002، لتعود للعمل في مستشفى الطب النفسي الذي أصبح ضمن مدينة الشيخ خليفة الطبية لاحقاً، كمساعد مدير تمريض، ومن ثم مدير تمريض بالإنابة لجناح العلوم السلوكية، وفي العام 2006 حصلت على الابتعاث لدراسة الماجستير والدكتوراه من المملكة المتحدة، فقد حصلت على شهادة دبلوم عالٍ للتمريض من جامعة كاردف في ويلز، ومباشرة التحقت بـ King’s College London في برنامج مزدوج من الماجستير والدكتوراه، وقبل الحصول على درجة الدكتوراه ولظروف عائلية، اكتفت بالحصول على ماجستير فلسفة التمريض والبحث للرجوع لأرض الوطن في العام 2012، وواصلت العمل في مدينة الشيخ خليفة كمساعد مدير تمريض لأقسامها المختلفة، من أطفال وعناية أطفال، جراحة، وأقسام العناية المشددة.
نموذج مشرف
اختار الشاب المواطن ماجد الحمادي، العمل في التمريض بوصفه مجالاً مميزاً وإنسانياً، وهو حالياً ممرض قانوني في مدينة الشيخ خليفة الطبية - أبوظبي، تخصص في «غرف العمليات»، ويعد رسالة الماجستير في «إدارة الرعاية في ممارسة الجراحة والتخدير»، في جامعة «كاردف ويلز» في المملكة المتحدة، إلى ذلك يقول: «عدت إلى الوطن بعدما بدأت الأزمة، وأدركت أهمية الطاقم الطبي، وبالذات التمريض، في التصدي لفيروس كورونا»، مضيفاً: «أفتخر بكوني ممرضاً، وأنا فخور بكل ممرض وممرضة، وبالكادر الطبي بشكل عام، لدورهم اللامحدود في التصدي لهذه الجائحة، وجهودهم الضخمة في هذا الإطار».
ومن خلال ممارسته المهنة، يرى الحمادي: أن «التمريض ليس كباقي المهن، فهي تختبر كل ما تعلمه، ولكن باستخدام الذكاء العاطفي، فكل مريض يحمل قصة وروحاً»، مضيفاً: «علمتني هذه المهنة معاملة الناس كمعاملة الأهل».
وبمناسبة اليوم العالمي للتمريض، يقول الحمادي: هو يوم عالمي وحيد لنا، فيما نحن نقدم كل أيامنا للمرضى، ونكون لهم السند، ونبلسم جراحهم، وبالبسمة والتفهم، نخفف أوجاعهم.
29 عاماً
استمرت رحلة التمريض في حياة الدكتورة صفاء المصطفى، المدير التنفيذي للتمريض في مدينة خليفة الطبية، 29 عاماً، تقول: «كنت من أوائل خريجات برنامج دبلوم التمريض في إمارة أبوظبي، وبدعم زوجي أتممت دراسة بكالوريوس التمريض من جامعة «كوينزلاند» الأسترالية، ثم الماجستير في إدارة الرعاية الصحية من جامعة «ميري ماونت» الأميركية، ومن ثم تخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف من برنامج الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة أبوظبي».
وتضيف: «بدأت رحلتي العملية من ممرضة خريجة، إلى مسؤولة قسم جراحة عامة، إلى أول مسؤولة تمريض مواطنة لمكافحة العدوى في مستشفى الجزيرة، وأول ممرضة جروح وتقرحات، وتطورت رحلتي المهنية إلى أن عينت بإدارة العيادات الخارجية والأشعة وقسم المناظير، وغيرها من تخصصات بدأتها بخطوة إيجابية، ارتقيت بها السلم العملي بكل شجاعة وقدرة»، موضحة: «وصلت إلى أحلامي بدعم عائلتي، وأفتخر أنني ممرضة إماراتية أقدم نموذجاً ملهماً لأجيال قادمة من ممرضي وممرضات المستقبل».