أحمد السعداوي (أبوظبي)
«حافلة بالذكريات التي تعبر عن حنينه إلى الماضي».. هكذا كانت حكايات «الثمانيني» الحبيشي بن بطي بن غيث القبيسي، عن رمضان، وما ارتبط به من عادات وتقاليد إماراتية أصيلة متوارثة عبر الزمن، ومنها الاحتفاء الكبير بالشهر الفضيل، الذي يستعد الناس لقدومه بفرح وبهجة لا تزال أصداؤها الطيبة تراوح ذاكرته إلى الآن، ويجددها باستمرار في مثل هذه الأوقات، حين يأتي رمضان حاملاً معه بشائر الخيرات من الأفعال الطيبة وقراءة القرآن الكريم والعبادات والتواصل مع الأهل والأحباب، وغيرها من الممارسات الجميلة، التي تعطي رمضان الإمارات مذاقاً خاصاً.
الخبز والذبائح
وقال الوالد الحبيشي، (من أهل جزيرة دلما)، إن رمضان في زمن الأولين، كان يشهد تجمع أهل الفريج وإفطارهم على خبز وعيش «أرز»، وذبائح، وعلى خير وفير يتناسب مع كرم الشهر، مبيناً أنه كان من أهل البحر، وعمل سنوات طويلة في مهنة الغوص مع غيره من أهل جزيرة دلما التي كان معظم ساكنيها يشتغلون في الغوص عن اللؤلؤ وصيد الأسماك بأنواعها وصناعة أدوات البحر، وغيرها من وسائل الحياة التي عرفها أهل المناطق الساحلية في الإمارات من مساعيد وغاغة وجفاي والمهيمات إلى الوسيعات وصولاً إلى بوريال، وغيرها من المناطق التي يعرف أماكنها أهل البحر في الإمارات، ولكل جزيرة من تلك الجزر ما يميزها، وكان يقصدها أو يعيش عليها سكان الإمارات قديماً قبل انتقال معظمهم إلى البيوت الحديثة التي أمرت بإقامتها القيادة الرشيدة، بعد إعلان دولة الاتحاد وتحقيق النهضة الكبيرة التي تعيشها دولتنا حالياً، بفضل الله، ثم ولاة الأمر، أطال الله أعمارهم، على ما قدموه ويقدمونه لنا من اهتمام بجميع المواطنين والمقيمين، وتوفير أفضل سبل الحياة على أرض الإمارات.
راحة من الغوص
وقال، إن أهلنا قديماً تعبوا وكدوا خلال عملهم كـ«غواويص»، حيث كانت تمتد رحلات الغوص إلى 4 أشهر في بعض الأحيان يفارقون خلالها الأهل في تلك الأسفار الطويلة إلى أن يعودوا إليهم بالخيرات، في موسم «القفال»، وهو آخر مواسم الغوص وهي حيث كنا نعود بالعيش والحب، وغيره من البضائع والأغذية إلى أهلنا في دلما وليوا، وغيرها من مناطق الاستقرار السكني في تلك الأوقات، حيث كانوا يتوقفون عن الغوص خلال أيام شهر رمضان، ويقضونه بين العبادات وزيارة الأهل والاجتماع مع الأصدقاء والجيران، في راحة من عناء الغوص عن اللؤلؤ الذي كانت أهم أدواته «الديين»، وهو أشبه بسلة صغيرة مصنوعة من خيوط متشابكة يعلقها الغواص حول رقبته أثناء جمع المحار ليضعه فيها، و«الزبيل»، وهو حبل متصل بالحجر الذي يربطه الغواص بساقه مما يسمح له بالغوص سريعاً إلى قاع البحر والبقاء هناك أثناء جمع المحار والأصداف، أما «اليدا» فهو الحبل المسؤول عنه السيب (الشخص الموجود أعلى السفينة ليساعد الغواص في مهمته)، وعندما يستعد الغواص للصعود إلى السفينة، يحرك هذا الحبل، فيقوم السيب بسحبه، وأخيراً «الفطام»، مشبك مصنوع من صدفة سلحفاة، أو من عظمة خروف يضعه الغواص على أنفه ليمنع دخول الماء إلى أنفه.
تعويض الغياب
أوضح الحبيشي بن بطي أن أمسيات رمضان كانت تقتصر في غالبها على العائلة وعدم المغادرة إلى أماكن بعيدة، بعد أن كنا نعتبر رمضان فرصة نستعيد فيه نشاطنا ونقوي فيه علاقتنا بالأهل والأقارب تعويضاً عن فترات الغياب الطويلة خلال رحلات الغوص، وكذلك تأدية صلاة التراويح وقراءة القرآن الكريم وصلة الرحم والتواصل مع الأهل والجيران، وهذه العادات لا زال أغلبها مستمراً إلى الآن حيث يحرص الجميع على تبادل الزيارات والاجتماعات العائلية في رمضان، غير أن هذا العام له ظروفه المختلفة بسبب انتشار فيروس كورونا ما جعل كل أسرة تقتصر على أفرادها التزاماً بتعليمات حكومتنا الرشيدة، حتى تنتهي هذه الأزمة، وتعود الأحوال إلى سابق عهدها، ويلتقي الأهل والأقارب في شهر رمضان المبارك، وغيره من أوقات السنة.