عدد اليوم
هل حقاً بات الذكاء الاصطناعي قادراً على كتابة رواية، ورسم لوحة، وابتداع أغنية، وكتابة قصائد عتاب ورجاء ورثاء وغزل...، هل تصوّراتنا حول ما لا نهائية الذكاء الاصطناعي مطمئنة إلى هذا الحد! أم ما زالت تبعث على القلق، مؤخراً كثرت الأوراق العلمية والندوات والمؤتمرات التي تحاول إعادة صياغة وفهم العلاقة مع الذكاء الاصطناعي الذي تجاوز في آلية عمله استخدام الخوارزميات المحفوظة وما يسهل تردده وتكراره في شبكات الإنترنت، ما جعله قادراً على إيجاد رابط معنوي ودليل حقيقي فيما يقوم به، سواء في الترجمة أم في حل الأسئلة وطرح المقترحات والحلول...، لكن في الوصول إلى عوالم الأدب التي تتطلب أسلوبية إنسانية وتجربة فريدة غير متكررة، ما زال الأمر محيراً يصعب تصديقه أو تقبله.
اليوم يتقدم الذكاء الاصطناعي خطوة أخرى ذلك حين جاءت ترجمته لإحدى القصص التي طلبتُ منه ترجمتها تحمل استطالة وتزوّداً غير موجودين في متن القصة القصيرة باللغة العربية، والغريب وبعد أن قارنت شخصياً بين نص القصة بالعربية ونصها بالانجليزية المترجمة، وجدت أن لغة الذكاء الاصطناعي لم تكتفِ بوضع ترجمة حسنة وممتازة وحسب، بل وتجاوزت كل المزالق الثقافية الممكنة، وكذا العقبات اللّغوية المتمثلة ببلاغة اللغة وتنوع أشكال المعاني التي قد تحمل خروجاً عن المعنى العام أو السياقي، لقد كانت الترجمة تلك مذهلة راعت حتى عدم ابتذال المعنى وتكراره، فقد وضعت قدرات الذكاء الاصطناعي هذه مستقبل الأدب والأديب على المحك، فالذكاء الاصطناعي قادرٌ وبدقة حتى على تفهّم الفروق الثقافية بين البشر، وعلى تصوّرها في المستقبل.
لكن وفي العودة إلى البدء، يرى البعض أن مقاصد اللغة في البلاغة العربية ستبقى متوارية عن الذكاء الاصطناعي، كيف؟ الأمر كما يظهر مرتبطٌ بجلاء نيّة المرسل وبحسن استقبال المتلقي أو المستمع، والمرسل والمستقبل، الأديب وجمهوره، لا تربطهما اللغة بقدر ما هي الحاجة إليها، ما يعني غياباً تاماً لقصد المرسل ولتقدير المتلقي ولدرجة استحسانه أمام الذكاء الاصطناعي، فهل يملك الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته تلك اليقظة والفطنة الإنسانيتين، فالفطنة واليقظة ولحظة الإدراك كرامات بشرية لا يمكن برمجتها وجعلها أوامر إلكترونية في متناول الذكاء الاصطناعي، لكن مازال يمكن تخمينها.
* أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
