الخميس 17 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 35 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: خدعة التعددية الثقافية

د. عبدالله الغذامي
19 ابريل 2025 01:11

هل تمارس الثقافة تزوير المعاني وقلبها لمصلحة القوي حسب كلمة أفلاطون بأن العدالة والحرية للأقوى؟، وهل حقاً هي للأقوى؟، لا بمعنى التسلط والعنف فحسب، ولكن أيضاً بمعنى الحيلة الثقافية في تحويل المعنى إلى نقيضه، وهذا ما سنكتشفه عبر ما حدث لمصطلح التعددية الثقافية، وكيف جرى تحويل معناه لنقيضه.
تقع التعددية الثقافية في مأزقٍ إشكالي مع مفهوم المساواة. وإن كانت المساواة تعني التساوي في الحقوق والفرص بين كل المكونات، لكنها تجنح لمعنى نقيض، وهو إلغاء الاختلاف مما يجعل المساواة حالةَ إلغاء مستمر، إذ لا تعطي الاختلافات حقها في تمثل صفاتها، التي هو جوهر حقيقتها، ففكرة التساوي تعني فرض نموذج ينصهر الكل فيه. ومنها جاء مصطلح الاندماج، الذي ظهر مع ظهور المهاجرين من بلدان الشرق إلى بلدان الغرب، ومن ذلك تعبير البوتقة الصاهرة لوصف ما يجب على كل مهاجر لأميركا لكي يذوب في المجتمع الأميركي، الذي يتفوق فيه الرجل الأبيض، وتولَّد عنه مصطلح جوزة الهند وهي ذات اللون الأسمر ولكن باطنها أبيض، ومن ثمَّ على كل مهاجر أن يكون بهويةٍ بيضاء تنغرس في داخله، حتى وإن ظل ظاهره غير أبيض، وكذلك ظهرت في فرنسا دعوات تبتكر مصطلحاً عنصرياً بعنوان (ما الفرنسي)، وجرى تحميل المصطلح بصفات هي في أصلها صفات الرجل الأبيض. وكل من تمثَّل هذه الصفات فهو إذن فرنسي مهما يكن لونه وفكره وشعوره، بحيث يمتنع عن لباسه القومي وعلاماته الدينية وأعرافه الثقافية وهوياته الجذرية، وهذه هي ما يقتل في النهاية مصطلح (التعددية الثقافية)، ويجعل هذا المصطلح مجرد خيالٍ ثقافي. على أن الأصل الثقافي للبشر هو التعدد، وفي البدء كان آدم واحداً ثم تعددت ذريته من وهلتها المبكرة، وكان هابيل وقابيل أخوين يبرز فيهما التماثل التام، ولكنهما وقعا في شراك سردية (الخير/ الشر) فأصبح أحدهما قاتلاً والآخر مقتولاً، وجاءت الصيغة الثقافية اللازمة للجنس البشري، من حيث القتل الحسي كالحروب والوأد والسبي، كصبغٍ تصدر عن رغبات تدمير الآخر حسيّاً ومعنوياً، وكذلك فالعدالة تضمر نقيضها باستمرار من حيث لعبة المحاماة، التي توظف قدرات المحامي في تبرئة المجرم، وتحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، وكذلك في أمثلة الوأد للمرأة قديماً ووأدها المعنوي حديثاً، وكونها نصف رجل عند أفلاطون، أو رجلاً ناقصاً كما ورد عن فرويد.
وزاد أفلاطون من قبل بأن أوجب على النساء تعلم فنون الحرب مثل الرجال، ليكنّ مواطناتٍ كالرجال، كما حثَّ الرجال على أخذهن في الحروب ليخدمن مثل اصطحاب كلاب الصيد حسب تعبيره، وأمعن في قتل التعددية الثقافية حين طرح فكرة المساواة والحرية شرّاً مؤكداً لأنها تساوي بين العبد والسيد.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض