باتت الكتابة في تطبيق الواتساب ملازمة لنا جميعاً اليوم، فهي من وسائل الضرورة اليومية، كما أنها وسيلة فهم وإفهام بين المتخاطبين، وعليه لم تعد الكتابة الرقمية عبر الواتساب تقصد في بعدها البلاغي وفي وظيفتها التواصلية الإمتاع والتسلي بين الناس، بل تتقصّد إيقاع أحد الأطراف في حبائل الإقناع والإذعان والاستمالة، فتوصيل المعلومة وتبليغها لطرفها الثاني قد يتم بيسر وسهولة وسرعة عبر الإيميل مثلاً، لكن في الواتساب تتشكل بلاغة تلقٍّ مختلفة، ويصبح الغرض الإقناعي البلاغي حاضراً أكثر نتيجة لذلك التفاعل المُفحم بين أطراف العملية التواصلية، بالإضافة إلى ذلك أخذت شركات العمل ومؤسساته المختلفة تعتمد الواتساب كوسيلة اتصال موثّقة بين موظفيها، تشبه التوثيق الاتصالي الذي يتم عبر الإيميل والكتب الرسمية التي كانت تسلّم باليد سابقاً.
وللواتساب (مخفيّاته) الدلالية التي قد تصدر رغماً عن المرسل، وذلك نتيجة خصوصية اللغة الرقمية غير الخاضعة لقواعد اللّغة، ومنها على سبيل المثال مشاهدة الرسالة ثم التردد في كتابة الرّد، فقد يكتب المرسل ثم يمحو، مشكلاً بذلك دلالة التردد في الرد، والتي تجعل الطرف الآخر الذي تحوّل إلى متلق بدوره يفهم أن مخاطِبه مرتبك ومتردد ولا يملك إجابة، بل ربما لا يريد أن يجيب، فالعلامة الزرقاء في التطبيق تعني مشاهدة الطرف الآخر للرسالة محتِّمة عليه الرّد والتفاعل من أي نوع، فيصبح عدم الرد معنىً مقصوداً وشائكاً، فالانتظار لحين الرد والتأخر فيه هما مسافة التفاوض المشتركة بين الطرفين التي تعطي دلالة التردد، وهي دلالة تلميحية كالتصريح تماماً حسب فرضيات هذا التطبيق، والواتساب وسيطة تواصل مقتضبة لا ترحب بالنصوص الطويلة والجمل المبهمة، بقدر ما تحمل جملاً ذاتية وصريحة ومكاشِفة، لذلك تسكينها ينقل المتلقين إلى حرية تأويل خاضعة لسوء الفهم، لكنها وتبعاً لشكل العلاقة وغايات الرجاء والتمني بين طرفي العملية التخاطبية قد يحمل الواتساب جملاً تلميحية غير مباشرة، لكن هذا التطبيق وفي النهاية وسيلة اتصال تميل لأن يصل أحد الطرفين للإقناع بعد أن يكون قد استوعب الدّليل وتلقى الخبر وتوقف عن الرد، وفي الواتساب تتسع مساحة التوقع عند الطرفين، ما يعني أن التخاطب فيه عملية قد تصبح لا نهائية، ما لم تحمل اللغة محمولات تلطف واعتبار للآخر مهما كانت مكانته، وهي بذلك الاستراتيجية الوحيدة للتخفف من سوء الفهم.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية