يميل الإنسان للتعليم، وأقصد بالتعليم هنا أن يمثل دور المعلم لغيره أكثر من ميله للتعلم، أي أنه يقفز تلقائياً لتوجيه الإرشادات والتوصيات للغير، بينما ينفر من استقبالها، وفي الوقت الذي يحبها فهو يكرهها أيضاً، يحب فعلها ويكره سماعها، وهذه علةٌ ثقافية لازمة تهيمن على سلوك الإنسان منذ مطالع حياته، فهو يجرب وهو طفلٌ أن يأمر وينهي في حال اللعب، وبمجرد أن نتفرج على مجموعة أطفال سنلاحظ فوراً كمية التعليمات التي يصدرها بعضهم لبعض، ويتفوق الأكبر سناً أو جسماً، وتظل هذه تنمو مع الوقت وتظل سلوكاً متصلاً في نظام الحياة ونظام التواصل الاجتماعي، وكلما لاحت مناسبة توالت التعليمات، بينما ينفر منها الضحية، والضحية هنا هو من يقع في مأزقٍ مما يجلب عليه موسوعات الوصايا التي قد يراها توبيخات ولعبة هيمنةٍ، رغم أنه يمارسها على غيره، وقد نلحظ ذلك في عالم الحيوانات حيث تبرز بعضها وكأنها تمارس دور المعلم على الأخريات.
هذه تشير إلى غريزةٍ ثقافية يجري توارثها وتمثلها، وهي صيغة من صيغ النسق الثقافي الذي يصبغ سلوك البشر بمثل ما يتغلغل في ذهنياتهم وينغرس في مضمرات الخطاب وأنظمة التفكير، ويفضي إلى صناعة الأب أو الأخ الأكبر والأخت الكبرى، ليس في السن بالضرورة، وإنما بما يتملكه أحدهم أو إحداهن من حس في الهيمنة أكبر من الطرف الآخر، ولو تصادف وجود قوتين معاً في وقت واحدٍ، فستظهر آثار المنافسة بمعنى الصدام المباشر ومن هنا مظاهر شد الشعر أو التعبيرات الجسدية المختلفة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض