أبوظبي (الاتحاد)
يُعَدُّ كتاب «ترجمة النفس: السيرة الذاتية في الأدب العربي» من الإصدارات البارزة التي قدَّمها مشروع «كلمة»، التابع لمركز أبوظبي للغة العربية. حرَّر هذا العمل الأكاديمي دوايت راينولدز، أستاذ الأدب واللغة العربية في جامعة كاليفورنيا، وقام بترجمته إلى العربية الباحث والمترجم العراقي سعيد الغانمي.
يُقدِّم الكتاب دراسة شاملة لتطوُّر السيرة الذاتية في التراث الأدبي العربي، مُفنِّداً الاعتقاد السائد بأن هذا النوع الأدبي نشأ حصريّاً في الغرب، ومُبيِّناً أنه كان جزءاً أصيلاً من الإنتاج الأدبي العربي منذ العصور المبكرة.
التصوُّر الغربي
يُناقش الكتاب الفكرة الشائعة في الأدب الغربي التي تعتبر السيرة الذاتية نوعاً أدبيّاً غربيّاً خالصاً، لم تعرفه الثقافات الأخرى، وكيف أن هذا التصوُّر يتجاهل التراث العربي الغني بهذا المجال، حيث كانت كتابة السيرة الذاتية جزءاً من التقليد الأدبي العربي لقرون عديدة. ويُشير الكتاب إلى أن هذا التصوُّر الغربي قد ساهم في تهميش الدراسات المتعلقة بالسيرة الذاتية في الأدب العربي، ممَّا أدَّى إلى نقص الوعي بأهمية هذا الجنس الأدبي في التراث العربي.
وفي هذا السياق يستعرض الكتاب مسيرة السيرة الذاتية في الأدب العربي، بدءاً من التقاليد الشفوية في العصر الجاهلي، مروراً بكتابات السيرة النبوية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وصولاً إلى الأعمال الفردية لعلماء وفلاسفة مثل ابن سينا والرازي.
وسيلة للتعبير
يُبرز الكتاب كيف أن السيرة الذاتية كانت وسيلة للتعبير عن الهوية الفردية والاجتماعية، وحملت أبعاداً أخلاقية وتعليمية في العصور القديمة. كما يُوضِّح أن السيرة الذاتية لم تكن مجرَّد سردٍ للأحداث الشخصية، بل كانت تُعبِّر عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها الكاتب، وتُقدِّم نموذجاً يُحتذى به للأجيال اللاحقة.
يضم الكتاب ترجمات لثلاث عشرة سيرة ذاتية عربية إلى الإنجليزية، مما يُتيح للقارئ الغربي فرصة التعرف على هذا التراث الأدبي الغني. تشمل هذه الترجمات شخصيات بارزة مثل حنين بن إسحاق، الترمذي، جلال الدين السيوطي، يوسف البحراني، وعلي مبارك. يُقدِّم الكتاب أيضاً تحليلاً نقديّاً لكل سيرة ذاتية، مُبيِّناً السياق التاريخي والثقافي الذي كُتبت فيه، ومُسلِّطاً الضوء على الخصائص الأدبية والفنية التي تميزها. كما يحتوي على ملحق إحصائي يشمل أكثر من 150 سيرة ذاتية عربية، مع معلومات تفصيلية حول كل شخصية، مما يُقدِّم مرجعاً شاملاً للباحثين والمهتمين بتاريخ الأدب العربي.
السيرة الذاتية
من المتوقع أن يكون لهذا الكتاب تأثير كبير على الدراسات المستقبلية في مجال السيرة الذاتية والأدب العربي. فهو يُمهِّد الطريق لإجراء بحوث أكثر تفصيلاً حول السيرة الذاتية في الأدب العربي، ويُشجِّع الباحثين على استكشاف المزيد من النصوص التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي. كما يُساهم في تعزيز الفهم العالمي للأدب العربي، ويُبيِّن أن هذا الأدب يمتلك تقاليد غنية ومتنوعة تستحق الدراسة والتقدير. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن يُلهم الكتاب الكتَّاب العرب المعاصرين لكتابة سيرهم الذاتية.
إضافة قيمة
وفي الحقيقة فقد حظي كتاب «ترجمة النفس» باستقبال إيجابي في الأوساط الأدبية والأكاديمية. وأشاد النقاد والباحثون بالجهد المبذول في جمع وتحليل النصوص، وبالدقة في الترجمة والتقديم. كما أثنوا على الطريقة التي يُعيد بها الكتاب النظر في التصورات السائدة حول السيرة الذاتية في الأدب العربي، ويُبرز الأهمية التاريخية والثقافية لهذا الجنس الأدبي. وقد اعتُبر الكتاب إضافة قيمة للمكتبة العربية، ومصدراً مهمّاً للباحثين والمهتمين بالأدب العربي وتاريخه.