محمد نجيم
لا يمكن لأي باحث أو مهتم بالحركة التشكيلية في الإمارات أو الخليج العربي، أن يغفل عن ذكر اسم بارز من الأسماء التي أضاءت المشهد التشكيلي، ونقصد هنا الفنان الإماراتي عبدالرحيم سالم، أحد الفاعلين والمؤثرين في الحركة التشكيلية الإماراتية، حيث تظل مساهمته مضاعفة على الساحة الفنية الإماراتية، إذ عمل مع عدد من الفنانين على تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، التي تم إشهارها رسمياً عام 1981، وترأّس مجلس إدارتها بعد ذلك لأربع دورات، وحقق خلال فترة رئاسته عدداً من الإنجازات، التي نقلت الفن التشكيلي الإماراتي إلى العالم، وكذلك عرّفت الجمهور المحلي بالتجارب العالمية، التي أثرت الرؤية البصرية، وهو ما ساعد في مراحل لاحقة على تكريس الفن التشكيلي في الإمارات.
في كتابها الصادر حديثاً عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، ضمن سلسلة «أعلام من الإمارات»، تحت عنوان «عبد الرحيم سالم، أساطير التجريد»، تأخذنا الناقدة والكاتبة السورية عبير يونس في رحلة شيقة للتعرف على التجربة الفنية والجمالية لهذا الفنان الكبير، حيث أرَّخت لحياته ومسيرته منذ ولادته في دبي سنة 1955، مروراً بسنوات الطفولة في البحرين، قبل أن يستقر مع عائلته في «فريج الفاضل»، قائلة إنه في تلك الحقبة البعيدة حرص مع عائلته على زيارة دبي في مواسم الصيف. وهكذا تشاركت المدن كثيراً في ذاكرة الطفولة، إذ ظهرت موهبته الفنية المبكرة في المنامة، وكان حينها في الصف الأول الابتدائي، وعمره لم يتجاوز سبع سنوات، حيث استهوته حينها رسوم الكتب المدرسية، التي كانت تأتي من مصر، وتتميز برسومها الجاذبة لقرى وبيوت قديمة وفلاحات مصريات يحملن الجرار الفخارية فوق رؤوسهن، فكان ينقل بعض الصور بحرفية، وحين يكون في منزله تتغير مواضيعه، ويجد في مكونات المنزل إغراء لموضوع فني جديد، فيستغرق في رسمه بمتعة.
لم يكن عبد الرحيم، حسب المؤلفة، ملتزماً بدوام المدرسة كاملاً، فقد جعلته روحه الحرة متمرداً على تقليد الالتزام منذ أن كان طالباً في «رأس الرمان» مدرسته الابتدائية، وعند وصوله إلى المرحلة الثانوية شارك بمعارض على مستوى البحرين، كما شارك في جمعية الفن المعاصر بأكثر من معرض، وأبلغ تشجيع بقي في أوراق الذاكرة من تلك الفترة التي كان فيها المدرسون يثنون على موهبته المميزة، كان تشجيع مدرس الفنون المصري الفنان حامد ندا، الذي كان يعزّز حبه للرسم ويقترح عليه فكرة دراسة الفن في مصر مستقبلاً، وهو ما حدث بالفعل، حيث التحق بالدراسة بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وقد رافقه في هذه البعثة طلاب آخرون عملوا فيما بعد مجتمعين على إطلاق الحركة التشكيلية في الإمارات، وكانت الفنانتان نجاة مكي ومنى الخاجة زميلتيه في البعثة الدراسية، التي سبقهم إليها قبل سنة عدد من الفنانين الإماراتيين الذين كانوا طلاباً أيضاً، وهم محمد يوسف، وعبيد سرور، وحمد السويدي، وعبدالرحيم زينل، وسلمى المري.
«مهيرة» الأسطورة
تشير عبير يونس في كتابها إلى الشخصية الأسطورية «مهيرة» التي تحضر في أعمال عبدالرحيم سالم، وهي حسب قوله «امرأة عاشت في الشارقة في خمسينيات القرن الماضي، ويقال إنها وقعت ضحية سحر فأصبحت مجنونة، كما يقال إنها كانت جميلة جداً، وكان هناك رجل يريد أن يقيم علاقة معها، ورفضت ذلك بقوة، فحضّر لها سحراً، ونتيجة السحر حولها إلى مجنونة.. ولهذا دفعت ثمناً غالياً لأنها قالت لا لرجل». وتعد «مهيرة» واحدة من أهم التطورات في تعامله الفني مع هذه الشخصية التراثية أو الأسطورية.