يشيع مصطلح (شيخات القصايد) في الشعر النبطي، وغالباً يركزون على ما تتضمنه القصيدة من نوادر الأبيات التي تتردد على الألسن وتنتشر بين الناس، وهناك من يشير إلى دور الميول القبلية في اختيار القصائد ويجري التنافس أو التنازع بين الرواة في التسليم بهذه أو تلك أو ترجيح واحدة على أخرى ولكن شرط ما في القصيدة من شواهد سائرةً هو الشرط الأكثر موضوعيةً حيث يحتكم على الذائقة الحرة التي أساسها واقع الاستشهادات ودرجة الحضور الذهني لقصيدة ما.
وهذه صيغة قديمة من حيث ممارسات الرواية الشعرية، والتي لا تحظى بها الفنون الأخرى مثل فن الحكي والسرد أو فن الخطابة والكتابة، وإنما الذي برز بقوة هو مصطلح المعلقات ومضت الروايات بأنها عشر أو تسع أو سبع، وأنها كانت تعلق على الكعبة المشرفة في مكة المكرمة من باب تخليدها وتعظيمها وتثبتت الفكرة في زمن التدوين وحظيت المعلقات بالشروحات والتحقيق والدراسة والاعتراف المؤسسي على مر القرون، وتعززت فكرة التعليق وكونها صحيحةً عبر مكتشفات الفاو في جنوب المملكة، التي تولتها جامعة الملك سعود في منطقة الأحقاف حيث اكتشفوا معابدَ مطمورةً من تحت الرمال لحضارة عربية قديمة تسبق الميلاد بألفي سنة، وتظهر الآثار وجود ألواح ضخمة فيها نصوص شعرية معلقة من حول جدران المعبد الذي هو على شكل مكعب وقد تواترت المرويات أن في جزيرة العرب سبع َ كعبات، ومنها كعبة مكة وهي الأكبر والأشهر والأهم، ولكن الذي يبدو من ذلك كله أن فكرة تعليق النصوص الشعرية ممارسةّ ثقافية سائدة في الجزيرة العربية مع تكرر صيغة المعابد وصيغة الطقوس، وتلك ثقافة متوارثة في الزمن القديم.
وفي عصر التدوين والكتابة جاءت الكتب لتواصل هذا التقليد حيث تصدى سلاطين الرواية والتدوين لوضع مختارات محددة العدد تتضمن التفضيلات الشعرية مثل مفضليات الظبي وأصمعيات الأصمعي، وكذلك شيخات الشعر النبطي، وبين هذا وذاك طرح ابن خلدون مقولته عن أمهات كتب الأدب وحددها بأربعة هي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب النوادر لأبي علي القالي، وظلت هذه الكتب موضع تركيز في مؤسسات التعليم التقليدي وأصبحت من معلقات الثقافة وأمهاتها، ويقابلها اليوم بدعة الأكثر مبيعاً التي سادت مع زمن الثقافة الرأسمالية، وتسلم الناشرون زمام التفضيل ورسم خريطة الذوق. وأصبحت المبيعات ليست قيمةً اقتصاديةً فحسب بل معايير لتوجيه رغبات القراءة ومن ثم صناعة ذوق ثقافي مرتبط بالأرقام.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض