فاطمة عطفة (أبوظبي) رحل عن عالمنا، أمس الثلاثاء، الثامن والعشرين من يناير الجاري، الدكتور وهب رومية، عضو لجنة تحكيم برنامج «أمير الشعراء»، في موسمه الحادي عشر، وذلك عن عمر ناهز 81 عاماً، وكانت «الاتحاد» قد أجرت معه هذا الحوار قبل وفاته بأيام، ويمتاز د. وهب أحمد رومية بمخزون تراثي زاخر في الأدب والنقد العربي، إضافة إلى عمله أستاذاً في كلية الآداب بجامعة دمشق وعميداً لها، كما كان أستاذاً زائراً في جامعات الجزائر واليمن والكويت، وباحثاً محكِّماً في: «سلسلة عالم المعرفة، ومؤسسة البابطين للإبداع الشعري بالكويت»، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة دمشق، وانتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية في دمشق، وله العديد من الدراسات والبحوث النقدية. كما كان قبل رحيله عضو لجنة التحكيم في «أمير الشعراء» بأبوظبي في موسمه الحادي عشر. وفي حواره الأخير هذا مع «الاتحاد»، انطلق الحديث معه حول تأخر النقد عندنا عن الإبداع، قائلاً: «إن الأعمال الإبداعية موازاة رمزية للواقع الاجتماعي، فهي تقدم صورة فنية له تصوره وتضيف إليه وتكمله، وهي تفسره، وتقترح بديلاً له، وتتنبأ به. والنقد هو قراءة موضوعية ذاتية للعمل الإبداعي تحاول تفسيره، وتقريبه، بعبارة أخرى: إن النقد هو تعقيد وهوامش على الأعمال الإبداعية، ولولا وجود هذه الأعمال لكان وجود النقد مستحيلاً. ويضيف د. رومية أنه يعلم أن هذا الرأي قد يغضب بعض النقاد، ويظنونه استخفافاً بهم وبما يكتبون، وقد يستظهرون على غضبهم بأسماء لامعة في تاريخنا النقدي كالجرجاني والآمدي من القدماء، وفلان وفلان من المعاصرين. وأنا لا أنكر أهمية هؤلاء النقاد، ولكن كيف كان سيكتب الجرجاني «وساطته» لولا المتنبي؟ وكيف كان سيكتب الآمدي «موازنته» لولا وجود أبي تمام والبحتري؟ والحديث قياس كما يقول الفقهاء.ويستطرد: إن من طبائع الأمور أن تتقدم الأعمال الإبداعية على النقد، وهذا شأن الإبداع والنقد في كل آداب العالم. أما لماذا لم يواكب النقد العربي الأعمال الإبداعية العربية؟ فالإجابة عن هذا السؤال تستدعي الظروف التاريخية للثقافة العربية المعاصرة، وعن اضطراب مفهوم «الهوية» وعلاقته بالآخر، وهو اضطراب ظهر منذ بداية عصر النهضة العربية. إن النقد خطاب تصوري يتصل بالثقافة اتصالاً وثيقاً، أما الإبداع فخطاب تخييلي – ولا سيما الشعر- مرهون بالموهبة الفردية أولاً، ثم بالثقافة ثانياً. وما تزال الثقافة العربية ثقافة مأزومة تبحث عن «هويتها» في خضم متلاطم الأمواج من صراع الهويات. وهذا موضوع شاسع ينبغي أن تعقد له المؤتمرات. وعلى الرغم من كل ما تقدم، أرى أن النقد العربي يحاول بدأب مواكبة الأعمال الإبداعية.
وينتقل الدكتور وهب رومية للحديث عن برنامج «أمير الشعراء» وتأثيره في حركة الشعر في الوطن العربي، قائلاً: علاقة الإنسان العربي بالشعر علاقة عريقة ترجع إلى الأيام الأولى التي اشتعلت فيها ناره فوق رمال الجزيرة العربية. وهو «هويته» التي تظهر فيها رؤيته للفرد والمجتمع والكون. وهو فنه المعبر عن أشواقه وأحلامه ومخاوفه. ولذا لم يكن غريباً أن تحتفل القبيلة إذا نبغ فيها شاعر، وأن يغلب الشعر على كثير من الأسواق الجاهلية والإسلام كسوق عكاظ، وسوق دومة الجندل، وسوق ذي المجاز، وسوق المشقر، وسوق الرابية، وسوق المربد، وسوق الكناسة، وغيرها. وتابع موضحاً: إذاً نحن نتحدث عن أهم ركيزة من ركائز الثقافة العربية على امتداد العصور، في وقت تتعرض فيه هذه الثقافة ل «تسونامي» العولمة، وتبدو القلعة الأخيرة التي لم تسقط بأيدي الغزاة بعد، وهي تقاتل قتالاً تراجعياً عن «هويتها» التي تتقاذفها العواصف والأمواج. في هذه المرحلة اليباب من مراحل الثقافة العربية، تطل أبوظبي على الوطن العربي ببرنامج «أمير الشعراء»، فتحيي تقليداً ثقافياً عريقاً هو تقليد الأسواق الشعرية القديمة، وتطبع هذا التقليد بطابع العصر الحاضر، وتبث فيه روح هذا العصر، وتجمع بين الأصالة والحداثة، وبين الحرص على «الهوية» وتنميتها. وحسب القارئ أن يعرف أن هذا البرنامج استقبل هذا العام قرابة ألف قصيدة لقرابة ألف شاعر من أرجاء الوطن العربي قاطبة، ومن عدد من البلاد غير العربية كنيجيريا وتشاد وألمانيا وغيرها. وتشرف على هذا البرنامج وتحدد خطواته المتدرجة صعوداً حتى الوصول إلى نهايته لجنة إدارية ذات كفاية عالية، كما تشرف عليه لجان علمية متخصصة مشهود لها بكفايتها النقدية والثقافية وبموضوعيتها. باختصار، إنه أضخم برنامج للشعر العربي عرفه التاريخ، وإنه حلم الشعراء يلتقون فيه ويتعارفون وينشدون أشعارهم أمام لجنة التحكيم، وأمام جمهور من عشاق الشعر ومحبيه، وينالون جوائز نقدية ممتازة.
وقد أحسنت هيئة أبوظبي للتراث المنظمة لهذا البرنامج حين جعلت الجمهور طرفاً من أطراف الخطاب الشعري، وأعطته حق تأهيل شاعر واحد من كل أربعة شعراء يتأهلون للمرحلة الأعلى، وبذلك يزداد جمهور البرنامج على مستوى البلاد المشاركة فيه، وتقوى روح المنافسة والتحدي بين الشعراء المتسابقين. ولذا فنحن لا نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن برنامج أمير الشعراء هو برنامج الشعر العربي الذي يجعل من الشعراء نجوماً تظهر على شاشات التلفزيون في الحلقات العشر التي تبث على الهواء مباشرة.