لكبيرة التونسي
في مشهدية متكاملة من البهجة والمتعة، انطلقت فعاليات «مهرجان الحصن» الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، في قلب العاصمة الإماراتية، ضمن حضور لافت وتفاعل من الكبار والصغار، واستقبل العرس السنوي زواره من مختلف الجنسيات بفنون الأداء التقليدية الإماراتية وبالعطر والشعر والخيل، عناوين الكرم والحب والخير والعطاء، دلالات ومعانٍ تترجم قيم الأجداد الممتدة والمتواصلة التي تتناقلها الأجيال فخراً وعزة.
من قلب الحصن الشامخ، رمز الأصالة والهوية والتراث الوطني، استهل الحدث السنوي المتواصل إلى التاسع من فبراير المقبل، وينظم تحت شعار «تعبير حي عن ثقافة أبوظبي»، فعالياته الثقافية والتراثية الغنية جمع العرض الرئيس «التشوليب» الذي يُقام بالشراكة مع قسم «الموروث الشرطي» في «شرطة أبوظبي»، بين فنون خيال الظل والشعر، وفنّ «التشوليب»، من الفنون الحربية الإماراتية الأصيلة، الذي يُؤدى أثناء استقبال الضيوف وفي المناسبات وخلال المعارك، عبر تلحين أبيات من الشعر النبطي وأهازيج وقصائد حماسية يقوم بتأديتها مجموعات من المحاربين والفرسان، وهي أبيات ارتجالية وأوزان وألحان محددة تتناغم مع حركة هذب الخيل.
العرس الثقافي والتراثي حوّل قلب أبوظبي إلى حالة من السعادة تبهج الزوار من مختلف أنحاء العالم، وتمنحهم فرصة الاطلاع على صور من الحياة الاجتماعية قديماً، وتقربهم من الحرف التراثية الصديقة للبيئة، والتي ابتكرها الإماراتي منذ القِدم، مستثمراً خيرات الطبيعة، حيث أوجد ما يعينه على الحياة من الأرض الطيبة المعطاء، التي تحولت بالإرادة والإصرار إلى أدوات جميلة تزين بيوت الأولين وتحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، وتسهم في علاج مرضاهم، ضمن منصة تفاعلية تحاكي العيش في «الفرجان» والأسواق قديماً، حيث تمتزج روائح الخوص والدخون والطين وتتداخل أصوات الباعة وأدوات الحرفيين وهم يعملون على صناعة الأواني التي أعانتهم على العيش.
ولتعزيز الموروث الإماراتي من عادات وتقاليد وصور مجتمعية، استقبل «بيت الحرفيين» زواره بـ «الطيب»، حيث سكب عطره وفاح أريجه ليملأ المكان ضمن «سوق الطيب»، الفعالية التي ينظمها مجلس سيدات أعمال أبوظبي بمشاركة نخبة من المبدعات في صناعة العطور، ويحتفي بالتقاليد العريقة لصناعة العطور التقليدية، مع التركيز على جوانبها التاريخية والحرفية، باعتبارها جزءاً أصيلاً من الثقافة الإماراتية، لاسيما أن صناعة العطور في دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد إحدى الحرف التقليدية الأصيلة في التراث الإماراتي.
ووسط «الأفلاج» وممرات المياه يجلس الحرفيون كما في السابق، حيث شكلت المياه عصب الحياة ونقطة تجمع السكان، وتعد «الأفلاج» قنوات مياه تمثل عنصراً رئيساً في تراث الإمارات، ويثمن المهرجان هذا الإرث بإلقاء الضوء على قصة أفلاج العين، وهي نظام قنوات مياه مدرج على قائمة «اليونسكو» للتراث الإنساني، حيث يستمتع الزوار بتجربة تعليمية مستوحاة من بيئة الأفلاج الأصيلة أعيد تصميمها بعناية حول المساحة المائية الخاصة بالحصن.
الحرفي المتدرب
لحفظ إرث الأجداد وضمان انتقاله للأجيال يقدم المهرجان هذا العام، «برنامج الحرفي المتدرب»، ضمن مساحة خاصة حيث ينهل المتدربون من الإرث الإنساني الثمين، ويقوم حرفيون متمرسون بتدريب جيل اليوم على حرف يدوية تتطلب دقة ومهارة عاليتين.
وبفعاليات نابضة بالحياة، يستعيد «مهرجان الحصن» وهج أزمنة الأولين، ويستحضر أصوات الماضي ورائحة الأيام في مباني منطقة الحصن التاريخية، ويصطحب الزوار إلى رحلات عابقة عبر الزمن تملأ الساحات الخارجية الفسيحة عبق الإرث غير المادي الذي ذاع صيته في أنحاء العالم، وتم إدراج الكثير من إبداعاته ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، بهدف صونه ونشر الوعي بأهميته، وفي كل نسخة من مهرجان الحصن المتكئ على عراقة أبوظبي وتاريخها المضيء، تحضر المشغولات التراثية والحرف اليدوية والصور المجتمعية التي ترافقها، لتذكر الزوار ببراعة الأولين، وتضع المتاحف الحية والورش في متناول الأجيال لتذكرهم برونق موروثهم الشعبي وتحثهم على التعلم والتمسك به، وضرورة حفظه لأهميته وحضوره في حياتهم العصرية، ومصدر عزهم وفخرهم.